إلتقيتها في أحد الأسواق المركزية بعد افتراق دام عقدين ونيف،فحيتني وحييتها،وسرنا معا خطوات مع تبادل أطراف الحديث،فسألتها عن صحتها وسألتني عن صحتي وأمور أخرى ..أشرت عليها أن نحتسي شيئا ما في المقهى الكبير على يسارنا،فوافقت فدخلنا المقهى واخترنا مكانا منزويا .. هرع إلينا النادل،سألنا عن طلباتنا ..؟ هي طلبت عصير كوكتيل ، أنا طلبت قهوة تركية .. بجلسة مائلة اتجهت نحوها ونظرت إليها .. سرحت بأفكاري إلى البعيد،حين كنا في رحاب الجامعة .. انها هي لم تغيرها السنون ،لا تزال محتفظة بملامح جمالها وأناقتها وثرثرتها المحببة .. بينما أنا شارد الذهن في الماضي نبهتني بوجود القهوة أمامي ،فاعتذرت عن السرحان .. قالت مازحة : اللي واخذ عقلك ..؟ قلت : لا شيء فكرت في أيام زمان ..! فردت :لم تسألني عن شيء سوى صحتي ..؟ فابتسمت وقلت لها :الصحة أهم شيء أليس كذلك ..؟ تذكرت عادتها في الثرثرة .. رفعت جسدي المائل من على الطاولة فاعتدلت في جلستي وسألتها قائلاً:آه صحيح ما هي أخبارك الأخرى واخبار زميلاتك ..؟ عدلت هي من جلستها فواجهتني تماماً بدلاً من الجلسة المنزوية على طرف الكرسي،كعادتها زمان عندما تستعد للثرثرة في شؤون صديقاتها ومعارفها ونوادرهم ومغامراتها هي،في المقابل أنا استعددت بسمعي وبصري وحواسي كلها وعقدت العزم على عدم مقاطعتها أو ابداء الملل من حديثها الطويل كما كنت أفعل في سالف عهدنا بالكلية لاشتياقي في هذه اللحظة لسماعها وخاصة بعد طول انقطاع. بدأت مشوار حديثها عن نفسها،فحكت أنها تركت عملها السابق في وطنها الأم وجاءت هنا مع أهلها، حصلت بعد طول بحث على عمل مناسب وراتب جيد، واختتمت حديثها مبتسمة بالقول:وما زلت عازبة ،بالمقابل أنا ابتسمت بخجل وذكرتها بمقولتها زمان\"ما أكثر المعجبين في هذه الكلية ولكنهم أجبن من أن يطرقوا الأبواب أو يقدموا شبكة\" وردت بنبرة قوية وبنظرة عتاب قائلة : أليس تلك حقيقة ..؟ انتقلت بعدها لمواصلة شريط ثرثرتها بالحديث عن زميلاتها فقالت : تريد تسمع أخبار من منهن ؟ سأبدأ لك باحلام وحنان لأن أخبارهما طريفة إلى حد ما، فأحلام بعد تخرجها مباشرة تزوجت، وأيضا حنان تبعتها بالزواج بعد مرور عدة سنوات من تخرجها ، وبالمناسبة كانتا في وداعي في المطار يوم أمس عند عودتي إلى هنا،ففي صالة الانتظار كل منهما شرعت في سرد حياتها ،فأحلام كان من نصيبها شاب طيب القلب، أما حنان فارتبطت بآخر امتزجت فيه قوة الشخصية والغرور معا.. أحلام وصفت زوجها بأنه عطوف،ويحبها بجنون .. يساعدها في كل شيء حتى في المطبخ وتنظيف البيت والملابسـ وخاصة بعد أن رفدت الخادمة التي كانت تفوقها نظارة غيرة منهاـ ..يلبي لها كل متطلباتها بما فيها الذهاب معها إلى صالونات التجميل والاسواق متى ما شاءت، وكما اتضح من وصفها له أنها هي الآمرة والناهية في البيت\"بما فيها خروجه لقضاء حاجاته الشخصية لا يتم إلا بإذن منها\"ناهيك عن أنها فرضت عليه قطع علاقاته بزملائه ومعارفة فاستكان المسكين لتعليماتها بكل ترحاب،كانت حنان تستمع بإنصات لصفات زوج أحلام فظهر أن تلك الصفات محل تقديرها وإعجابها فأباحت عن ذلك بقولها لأحلام :يال لحسن طالعك حظيت بزوج السعادة والهناء، فردت أحلام قائلة:بالعكس أشعر بتعاسة لا توصف ،أتمنى أن تكون له شخصية قوية ..نفسي يقول لي لا .. يرفع صوته في وجهي ..كم حاولت استفزازه لاستثارة غضبه حتى أمنى منه بصرخة حازمة أو بصفعة تشعرني برجولته، إنني مللت من استسلامه وضعفه،ولم أعد أتقبل حبه الجارف وعطفه وحنانه الزائد على الحد، تصوروا حتى في المطبخ ينافسني فيه بل وصلت به الأمور إلى أن يسألني عن رأيي في طبخته بدلاً من أن أوجه له أنا ذلك السؤال .. مللت حبه وعطفه الخالي من ريحة الرجولة .. أما حنان فقد بدأت وصف حياتها الزوجية بذرف دموعها حيث اشعرتنا بتعاسة حياتها فقالت : \"حياتي صعبة معه،لغة التفاهم معي هي الضرب لأتفه الأسباب،عنيف في جميع تصرفاته،حركاتي وسكناتي محسوبة عنده، يعاملني كخادمة في البيت، أعمل كل شيء إلى جانب تربية الأطفال، يا ويلي ويا سواد ليلي إذا تأخرت قليلاً عن تحضير شيء من طلباته التي لا تنتهي، لم يبادلني قط نظرة عطف أو حنان أو لمسة حب كما كان في فترة الخطبة وفي الكلية، بل انقلب إلى وحش لا أرى في وجهه سوى العبوس والتجهم الدائم،وعينين يتطاير منها الشرر مع قسوة قلب لا توصف، وما يعكر صفو حياتي أكثر الشك والغيرة من أتفه تصرف،حتى من رنة الهاتف بالخطأ،فحياتي معه حقيقة جحيم لا يطاق\". ردت عليها أحلام،صدقيني هذه هي السجية الطبيعية للرجال المحببة لدى النساء ، فالمرأة رقيقة بحاجة إلى طرف أكثر خشونة لتتعادل الكفة، فزوجك رجل بمعنى الكلمة ،فالخطأ والعيب فيك أنت لم تجيدي التعامل مع هذا الصنف من الرجال،وفي اعتقادي أنه بتصرفاته هذه يريد أن يظهر لك رجولته، وأنت يفترض أن تبدي له أنوثتك بالاعجاب بخشونته وقسوته وتقابليه بشيء من الدلال والغنج الأنثوي وبهذا تتكاملان وتسعدان. أخذتا تتجادلان وتنتقدان بعضهما وكل منهما أصبحت مدافعا ومحاميا عن زوج الأخرى في قاعة حكم لا يوجد بها سوى قاضيا واحدا هو أنا .. ارتفع صوتاهما فنبهتهما بأنهما في صالة مطار وليستا في البيت، حاولت فض النزاع بينهما بمزحة لطيفة حيث قلت لهما:بدلاً من هذا الصراخ يمكنكما تبادلا الزوجين،فضحكتا ونسيتا ما هما فيه من حياة. توقفت عن الحديث برهة،عاودت الحديث تسألنيراسمة الابتسامة على وجهها: ألا ترى أن كل منهما غير مقتنعة بحياتها.. فكيف لمثلي لم تطعم قسوة الزوج ولا رقته ..؟ لاطفتها بالقول: يمكن أنك أسعد منهما ..! وقبل أن تواصل ثرثرتها عن شيء آخر بادرتها بالحديث قائلاً:صنفكن عجيب يا بنات حواء لا يعجبكن اللطف في التعامل ولا تعجبكن القسوة .. ما رأيك أنت في النموذجين..؟،فنظرت إلي وأخذت كأس العصير من أمامها وارتشفت ما تبقى فيه وأجابت:نحن النساء بحاجة إلى زوج يتصف بالاعتدال..!