الجَذرُ الثلاثي لكلمةِ (أَعجمي) هو (عَجَم). وقد وردتْ مادَّة (عجم) التي اشتُقَّتْ منها كلمةُ (الأعجمي) في القرآن الكريم، حيثُ ذُكرتْ هذه الكلمةُ أكثرَ من مرةٍ فيه، ولم ترد لفظة ( عجمي) أبداً في كتاب الله ، وانما وردت( أعجمي ) بالمفرد والجمع كما سنذكر لاحقا باذن الله تعالى .
قال ابنُ فارس في مقاييس اللغة: « العينُ والجيمُ والميمُ ثلاثةُ أُصول: أَحدُها يدلُّ على سكوتٍ وصَمت، والآخر يدلُّ على صلابةٍ وشدَّة، والآخرُ على عَضٍّ ومَذاقة.
فالرجلُ الذي لا يُفصحُ: أَعجم، والمرأةُ التي لا تُفصحُ: عجماءُ بَيِّنَةُ العُجمة. ويقالُ للصبيِّ ما دام لا يتكلمُ ولا يُفصح ولا يُعرب عن لسانه : صبيٌّ أَعجم.
والعَجَم: الناس أو القوم الذين ليسوا من العرب ، وكأنَّ العربَ لَما لم يفهموا عنهم ولم يدركوا لغتهم وترجمتها الكاملة فسَمّوهم عَجَماً.
ويُقال: الأَعجميُّ: الذي لا يُفصح وإنْ كان نازلاً بالبادية. وهذا عندنا غَلَط! وما نعلمُ أَحداً سمّى أحداً من سكانِ البادية أعجمياً، كما لا يُسمونَه عَجَمِياً. ولعلَّ صاحبَ هذا القولِ أَرادَ الأَعجم فقال: الأَعجمي.
والعَجماءُ: البهيمة؛ سُميتْ عَجْماء لأَنها لا تتكلم . وكذلك كلُّ مَنْ لم يَقْدِرْ على الكلامِ فهو أَعْجَم ومُسْتَعْجَم ...».
والعُجْمةُ عندَ ابن فارس: عدمُ الإفصاح والبيان. والعَجَمُ عندَه مقابلَ العرب، والأَعجمُ والأَعجميُّ بمعنى واحد. وهو الذي لا يُفصحُ في كلامه.
وقال الراغب الأصبهانب في مفرداته : «العُجْمَةُ: خلافُ الإِبانة. والإعجام: الإبهام... والعَجَم: خلافُ العَرَب. والعَجَميُّ منسوبٌ إلى العَجَم... والأَعْجَم: مَنْ في لسانِه عُجْمة، عربياً كان أو غيرَ عربي ، اعتباراً بقلَّةِ فهمهم عن العَجَم... والأعجميُّ منسوبٌ إلى الأَعجم ، والأغلب في عصرنا إطلاقه على الفرس خاصة ، وان كان اللفظ عاما يشمل الفرس وغيرهم من الشعوب ، لكن خصوه بالفرس بحكم الجوار.
وأعجمتُ الكلامَ ضدُّ أَعربْتُه، وأَعجمتُ الكتابةَ : أَزَلْتُ عجمَتَها ، وتكون هذه الإزالة بالتنقيط ، لذلك يكثر في كلام السلف قولهم الباء والتاء والجيم المعجمة ( أي ذات النقط ) بمقابل الحاء والراء والسين المهملة ....
وحروف المعجم هي الحروفُ المقطَّعة [أ، ب، ت، ث...]، ومعنى كونِها أَعجميةٌ: لأَنها حروفٌ مقطَّعةٌ متجردةٌ ، لا تدلُّ على ما تدلُّ عليه الحروفُ الموصولةُ التي تتركبُ منها الكلمات».
يتفق الراغبُ مع ابنِ فارس في أنَّ العُجمةَ خلافُ الإِبانةِ والإِفصاح، والعَجَمَ: هم غيرُ العرب الذين لا يُفصحون عندما يتكلَّمون ، والأَعجمُ: الذي في لسانِه عدمُ الإِبانة والإفصاح ، سواء كان عربيّاً أم عجميّاً في النَّسَب.
ومعنى كلامِ الراغبِ أنَّ العجمةَ في اللسانِ والنطقِ والتعبير، وليستْ جنساً أو نَسَباً أو قوماً، وأُطلقتْ على غيرِ العربِ لأنهم لا يُفصحونَ بالعربيةِ عندما يتكلَّمون .
قال شاعر يُسمّـى أبو النجم :
وطالما وطالما وطالما ===غلبت عادا، وغلبت الأعجما
قيل إنما أراد بقوله ( الأعجما ) العجم ( جماعتهم ) فأفرده لمقابلته إياه بعاد ، وعاد لفظ مفرد وإن كان معناه الجمع ، وقد يريد الأعجمين، وإنما أراد أبو النجم بهذا الجمع أي غلبت الناس كلهم ، وإن كان الأعجم ليسوا ممن عارض أبو النجم، لأن أبا النجم عربي والعجم غير عرب ،
وهكذا يقرر ابن منظور أن العجم هم غير العرب ، ومتابعة للموضوع في بيت الشعر يقول ابن منظور في اللسان : ولم يجعل الألف في قوله وطالما الأخيرة تأسيسا لأنه أراد أصل ما كانت عليه طال وما جميعا إذا لم تجعلا كلمة واحدة ، وهو قد جعلهما هنا كلمة واحدة ، وكان القياس أن يجعلها ههنــــــــــــــــــا تأسيسا لأن ما ههنا تصحب الفعل كثيرا .
والعجم: جمع العجمي ، وكذلك العرب جمع العربي، ونحو من هذا جمعهم اليهودي والمجوسي اليهود والمجوس . والعجم: جمع الأعجم الذي لا يفصح ، ويجوز أن يكون العجم جمع العجم ، فكأنه جمع الجمع، وكذلك العرب جمع العرب. يقال: هؤلاء العجم والعرب، قال ذو الرمة :
ولا يرى مثلها عجم ولا عرب . فأراد بالعجم جمع العجم لأنه عطف عليه العرب . قال أبو إسحق :
الأعجم الذي لا يفصح ولا يبين كلامه وإن كان عربي النسب كزياد الأعجم ، قال الشاعر :
منهل للعباد لا بد منه ، === منتهى كل أعجم وفصيح
وتقول العرب للأنثى عجماء ، وكذلك الأعجمي، فأما العجمي فالذي من جنس العجم ، أفصح أو لم يفصح ، والجمع عَجَم كعربي وعرب وعركي وعرك ونبطي ونبط وخولي وخَـوَل وخزري وخزر .
ورجل أعجمي وأعجم إذا كان في لسانه عُجمة ، وإن أفصح بالعجمية ، وكلام أعجم وأعجمي بَــيِّـن العجمة. وفي التنزيل ، ردّاً على أولئك الذين زعموا أن القرآن من عند محمد ، روى الطبري عن ابن إسحاق قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس عند تلّة المروة إلى غلام ٍ نصرانيّ، يقال له:جَبر، عبدٌ لبني بَيَاضَةَ الحَضْرَميّ فكانوا يقولون: والله ما يُعَلِّمُ محمداً كثيراً مما يأتي به إلا جَبْرٌ النصرانيُّ غلامُ بني بياضة ، فأنزل الله الردَّ عليهم : ((ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ، وهذا لسان عربيّ مبين )) سورة النحـل \ 103، وجمعه بالواو والنون، تقول: أحمرى وأحمرون وأعجمي وأعجمون على حد أشعثي وأشعثين وأشعري وأشعرين، وعليه قوله عز وجل عن القرآن الكريم دفاعا وردا على المطاعن والمزاعم التي تقوّلها الافاكون من أهل مكة ، بل وفي كل زمان ومكان : (( ولو نزلناه على بعض الأعجمين فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ))سورة الشعراء \ 198 - 199، وأما العجم فهو جمع أعجم، والأعجم الذي يجمع على عجم ينطلق على ما يعقل وما لا يعقل ، قال الشاعر :
يقول الخنا وأبغض العجم ناطقا،=== إلى ربنا، صوت الحمار اليجدع
ويقال: رجلان أعجمان، وينسب إلى الأعجم الذي في لسانه عجمة واستعجام ، فيقال: لسان أعجمي وكتاب أعجمي، ولا يقال رجل أعجمي فتنسبه إلى نفسه إلا أن يكون أعجم وأعجمي بمعنى مثل دوار ودواري وجمل قعسر وقعسري ، هذا إذا ورد ورودا لا يمكن رده. وقال ثعلب: أفصح الأعجمي ، قال أبو سهل :
أي تكلم بالعربية بعد أن كان أعجميا، فعلى هذا يقال رجل أعجمي، والذي أراده الجوهري بقوله: ولا يقال رجل أعجمي، إنما أراد به الأعجم الذي في لسانه حبسة وإن كان عربيا، وأما قول ابن ميادة، وقيل هو لملحة الجرمي ، قلت : ويُنسب الشعر أيضا للشاعر الأموي عدي بن الرقاع :
كأن قرادي صدره طبعتهما،=== بطين من الجولان، كتاب أعجم
فلم يرد به العجم وإنما أراد به كتاب رجل . والقراد حلمة الثدي ، وتطلق على الحشرة التي تعرض لاست الجمل والخيل وغيرها ...
وقال تعالى في سورة فصلت \44 : ((وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ )) ، وفي تفسير الآية الكريمة يورد القرطبي ( صاحب أحكام القرآن ) كلاما رائعاً هنا فيقول :
قوله تعالى، ولو جعلناه قرآنا أعجميا} أي بلغة غير العرب { لقالوا لولا فصلت آياته} أي بينت بلغتنا فإننا عرب لا نفهم الأعجمية. فبين أنه أنزل بلسانهم ليتقرر به معنى الإعجاز ؛ إذ هم أعلم الناس بأنواع الكلام نظما ونثرا. وإذا عجزوا عن معارضته كان من أدل الدليل على أنه من عند الله، ولو كان بلسان العجم لقالوا لا علم لنا بهذا اللسان. وإذا ثبت هذا ففيه دليل على أن القرآن عربي، وأنه نزل بلغة العرب، وأنه ليس أعجميا، وأنه إذا نقل عنها إلى غيرها لم يكن قرآنا. قوله تعالى: ((أأعجمي وعربي))وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي " اَاَعجمي وعربي" بهمزتين مخففتين، والعجمي الذي ليس من العرب كان فصيحا أوغير فصيح ، والأعجمي الذي لا يفصح كان من العرب أو من العجم ، فالأعجم ضد الفصيح وهو الذي لا يبين كلامه. ويقال للحيوان غير الناطق أعجم، ومنه (صلاة النهار عجماء) أي لا يجهر فيها بالقراءة ، فكانت النسبة إلى الأعجم آكد ، لأن الرجل العجمي الذي ليس من العرب قد يكون فصيحا بالعربية ، والعربي قد يكون غير فصيح ؛ فالنسبة إلى الأعجمي آكد في البيان . والمعنى أقرآن أعجمي ، ونبي عربي ؟ وهو استفهام إنكار.
ثم يتحدث القرطبي عن كلمات غير عربية( أعجمية ) في القرآن نحو سجل وسجيل والقسطاس وجهنم و و ... الخ المعزوفة الشعوبية ( ونحن هنا لا نتهم القرطبي بها أبدا ، فهو ركب موجة سبقه الى ركوبها آخرون ) .
وهنا نختلف مع القرطبي رحمه الله في تقريره لوجود كلمات غير عربية في القرآن الكريم ، وهو بحث طويل أرجو الله تعالى أن يعطيني فرصة الحديث والتفصيل فيه ،،،،،،،،،،،وآخر كلماتنا الصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء و سيد الرسل وأشرف المرسلين عليه الصلاة الف تسليم وعلى آله وصحبه أجمعين.