وافقت صبرة على الزواج من عبد الستار صاحب محل أثاث في الزهروني ،شاب ملتحٍ من أنصار الدعوة و التبليغ شهير في منطقتهم برجولته و قوته . يحكى أنه : كان يبيع الخمور في صغره ثم اهتدي إلى الإسلام و لبس القميص و خرج في سبيل الله إلى الهند لمدة أربعة أشهر و تلقى دروسا على يد شيخه في منزله بحي حواص بالزهروني". كان من أكثر الحافظين للأحاديث النبوية لدرجة أن كتاب رياض الصالحين لم يكن يفارق يمينه، عود الأراك لا يفارق يده الشمال و يضع عطر البخور في جيب قميصه عملا بالسنة النبوية .
ذات يوم ، بعد صلاة الجمعة دعا الحاج إبراهيم عبد الستار لبيته ، ما إن دخل عبد الستار حتى مرت أمامه كالبرق فتاة لم تتجاوز بعد السابعة عشر من عمرها تلبس جلبابا أسود يغطي جسدها من الكتف إلى أخمص قدميها . بعد شرب الشاي و النقاش حول السوق و حول وضع الإسلام في البلاد و لا سيما بعد أحداث سليمان التي حدثت الشهر الفارط، استدرج عبد الستار الحاج إبراهيم ليسأله عن أطفاله فقال له الحاج أن لديه ثلاثة أولاد : الأول في ايطاليا و الثاني في الجيش التونسي و الثالث يدرس تكوينا مهنيا في صفاقس" . و إبنتان الصغرى منى تدرس في المرحلة الابتدائية في مدسة الزهروني و الثانية صبرة تدرس في المرحلة الثانوية و لكنها تواجه مشاكل مع مديرة المعهد التي لا يروقها حجابها ..
ما إن سمع عبد الستار القصة حتى قال: أستغفر الله العظيم ، إيْ و عدات الإمتحانات ؟ أجاب الأب بالنفي ، لأن صبرة تم طردها لمدة ثلاثة أيام لانها لم تنزع الحجاب عند باب المعهد و عليه لم تستطع إجتياز إمتحانات الثلاثي الثاني ، هذا ما قد يجرها للرسوب .
ظل موضوع صبرة عالقا بذهن عبد الستار فقرر الذهاب للمعهد الثانوي بالزهروني ليسأل عنها و عن وضعها الدراسي. هناك جلس أمام محل ساندويتشات قبالة المعهد الثانوي فلاحظ أن الجميع يضحكون و يلعبون و يستمتعون باوقاتهم إلا إبنة الحاج إبراهيم التي تميزت بهدوئها و رصانتها و انزوائها في ركن لوحدها عازفة الحديث مع قريناتها .
طباع الهدوء و الخجل شدت إنتباه عبد الستار الذي قال في نفسه :" هذه ضالتي" ، عبد الستارشاب في السابعة الثلاثين من عمره ، عرف العديد من النساء ، السمراء و الشقراء و الصهباء و كان يهوى مضاجعة "السوداوات" لدرجة ان أصدقائه كان يسمونه "عبد الستار كحلوشة" لفرط ملاحقته لنساء السود ، يبرر عبد الستار ذلك بأنهن: " نار تشتعل و لا يمكن إخمادها بسهولة" .
بعد تلك التجارب التي يسميها عبد الستار بأيام الضلالة ، قرر الشاب إكمال نصف دينه و الزواج بصبرة فتاة صغيرة لم يمسسها بشر و لم تكن بغيا . طرح عبد الستار الموضوع على أمه التي رحبت بالفكرة قائلة:" باهي برشا صغيرة تربيها على يديك و تطاوعك" تقدم عبد الستار لخطبة الفتاة بعد أن تحدث مع الحاج إبراهيم الذي أبدى موافقته منتظرا رأي الأم و صاحبة الشأن.
زارت أم عبد الستار بيت الحاج إبراهيم و التقت بالخالة فاطمة إمراة بسيطة تقضي يومها بين آلة الخياطة و المطبخ ، كان يوم سبت و كانت صبرة محبطة جدا لانها لم تتمكن من دخول حصة الفرنسية التي تعشقها ، فهي تحب الادب الفرنسي و تتقن اللغة الفرنسية و كان أستاذها يسمح لها بالحديث كثيرا داخل القاعة و كان يبجلها و كانت تجله و تجلس على الكرسي الأول في حصته و تشارك و لا تصمت ، إنها لغة موليير و فوللتير التي تبهر الصبية .
لقد رمقتها مديرة المعهد و هي تمشي في الساحة بحجابها فطردتها من المعهد ، مسألة الطرد أرهقت نفسية صبرة التي تدرس ثالثة آداب و تحس أنها مجرمة و مذنبة و هي لم تقم بأي شيء .
أحست الفتاة بالإحباط و الضيم و قررت أن لا تعود إلى المعهد الذي تهان فيه من أجل لباسها ، على الساعة الخامسة قدمت أم عبد الستار لخطبتها من خاله مبروكة ، صمتت صبرة و باركت امها الخطبة بفرح بدا جليا على ملامح وجهها .. و قالت لابنتها : "ربي عوضك خير .. توة هاك باش تعرس و ترتاح من هم القراية ".
اتفقت النسوة على موعد الخطبة و أخبرت الرجال بذلك ، و كان الامر بعد أسبوع حينما قدم عبد الستار و أهله حاملا معه كعكة كبيرة الحجم كتب عليها خطوبة سعيدة عبد الستار و صبرة .
كان حفل الخطوبة هادئا رفعت فيه بعض الزغاريد فقط و تم قراءة القرآن و ذكر الله و ووضع اخوها الصغير أغنية "سيدي" لسامي يوسف ، في تلك الاجواء كانت الخالة منيرة مستاءة لان الخالة فاطمة منعتها من الغناء لأن عبد الستار متدين و يكره الغناء و كل أشكال"الميوعة" .. و طلبت منها اختها ان تضع الشال بطريقة صحيحة حتى لا يسخروا منهم عائلة العروس المتدينة .
أمام تلك الاجواء كانت الجدة بركانة بوشمها الأخضر ترمق عبد الستار من فوق الى تحت. الجدة بركانة التي جلست بحِرامها الأحمر و خلالها الفضي و واضعة وشاحا زهريا بطريقة يظهر جزء من شعرها الأحمر المخضب بالحناء . بعد برهنة غنت الجدة بصوت حزين : "هامْ رحْلوا بيك ما قدرت انهني يا ام الغثيث المحني نطلب عالربي غزال لي شرد يولي ثم نفرح و نحني هام رحلو بيك يا عيون الدودة يا خد ياقوتة الخد الياقوتة الحلقة الفضة و معاهم محرمة .... نطلب عالربي الغزال الي يشرد يولي ثمة نفرح و نغني" ..
اغرورقت عيون الحاج إبراهيم و قال : يعيشك يا أمي ربي يفضلك ليا ... " قال العريس: ماشاء الله
و ربي يكبرنا في طاعتو" .. لم ترد الخالة بركانة على تعليقه و إكتفت بالنظر إلى حفيدتها الصغرى
التي تقام خطبتها بدون موسيقى و بدون حْرام و بدون رقص .
قال أخو عبد الستار سيأتي الشيخ "علي " بعد قليل ليقدم درسا بمناسبة الخطوبة ، تظاهرت النسوة بالإهتمام ، و قدم الشيخ الذي جلس في غرفة الصالون الثانية ، وقدّم درسا في "منافع الزواج و النكاح" و مزايا الزوجة الصالحة و في حديثه قال : سأل أحدهم أبو هريرة عن الوشم فقال سمعت قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تشمن ولا تستوشمن", وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعنت الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة والواشمة والمستوشمة من غير داء", وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لعن الله الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله"
حينها ردت الجدة بركانة :" وشم اِمّالِيّة مهوش حرام منين جِبتوا هلكلام ؟ و شمي أمارة عرشي ؟
صوتها العالي ضايق الشيخ .. فتدخل الحاج ابراهيم لتهدئة الاجواء قائلا :" أمي مراة كبيرة و راهي لتوه روحها معلقة بالكاف و الدهماني والله تي انا جبتها للخطبة بالسيف هههههههههههههه"
صمت الجميع و قالت ام عبد الستار استأذنكم للرحيل و سنعود مرة أخرى لزيارتكم لتحديد موعد الزفاف و قف الجميع لتبادل السلام إلا الحاجة بركانة التي ضلت جالسة في مكانها ترد التحية فقط .
قالت الجدة لصبرة: باش تعرسي مالا ؟ مش قلتي باش تولي طبية و اتْحِلّي كابينا في الدهماني ؟ و الا نسيتي دهماني ؟ رد الحاج ابراهيم : اش مدخل الدهماني ؟ يزي امي الطفلة مممنوعة من القراية و انا نحب نعرسلها و نرتاح ..
كان لحديث الجدة أثر في نفس صبرة الرقيقة التي كانت سعيدة بالخاتم و اللباس الذي اتاها من خطيبها . كانت الفتاة تفكر في بيتها الجديد و تقول في نفسها قد يحررني الزواج من الضغوط وقد أنهي دراستي
في ثانوية خاصة ... و أنجب أطفالا و أربيهم على السنة و الحديث، ثم عبد الستار له هيبة فهو صديق شيوخ المنطقة و له محل كبير بالإضافة لكون بيته قريب من بيتنا ، وراء مدرسة الزهروني أين تدرس أختي الصغرى ...
خلاف الجدة بركانة لم يقف عند الخطوبة فقط ، إذ قام خلاف بين الجدة و الأب عند تحضيرات الزواج ، فالزوج عبد الستار رفض الموسيقي و الرقص و عادة الحمام و التصديرة و كل عادات الزواج . الامر أثار غضب الجدة التي رأته تجنيا صريحا عليها و على عاداتها ، قالت للحاج إبراهيم :لا طبّال....
الزرْدة حرام شاي لله يا رجال الكاف ؟ و اش فيها لكان ذبحنا لجدودنا باباك الحاج كان ديما يذبح
و نا نخلط و الرسول يبارك ؟ شنو؟ علجال نسيب ننسو عاداتنا ؟
صمت العم أبراهيم و تحت ضغط الخالة فاطمة التي ترى في الزوج فرصة العمر ، فالعم إبراهيم يمر بضائقة مالية و زواج صبرة على السنة كما يريد عبد الستار سيريحه من العديد من التكاليف و ثم قد تساعده صبرة في االمستقبل .
وافق العم ابراهيم على الزواج و حضرت الجدة بركانة في يوم الزفاف فقط ، حينها قدمت "خلالة و حرام لحفيدتها و قالت لها :ربي يهنيك و دار الدهماني مازالت محلولة ليك" .. ضمت صبرة جدتها و سالت دموعها و قبلت يديها و جبينها . زغردت الجدة لحفيدتها و أدارت وجهها عن الخالة فاطمة التي طأطأت رأسها أمام حماتها الوقور ، ذات النظرات الثاقبة .
كانت ليلة الزفاف صعبة بالنسبة لصبرة ، تلك الصغيرة التي تزوجت بضمان أبوي فهي لاتعرف من عالم الرجال سوى ما قرأته في كتاب" تحفة العروس" ذلك الكتاب الذي أهداه لها عبد الستار قبل الزواج .
لبست حينها فستان نوم أبيض مع صدرية بيضاء ، كانت صبرة مخضبة بالحنة و بالحرقوس و وضعت بعض الصبغة الصفراء على شعرها البني الطويل المجعد .
بدأ عبد الستار إكتشافه لجسد صبرة المثير ، الذي قال عنه :" دقلة و حليب" فهي صغيرة و صافية كالسماء أما هو فكان محملا بتاريخه النسائي و فتاوى الجماع التي لم تفهم كنهها صبرة بعد .
بعد أشهر من الزواج و من الحياة الروتينية الصعبة بدأت الفتاة تحس بالقلق و الضجر.
فلا خروج سوى لسوق الزهروني و لا زيارات سوى لبيت أبيها أو لبيت حماتها . كما أن عبد الستار منعها من الذهاب إلى المسجد لصلاة الجمعة و لصلاة التراويح ، و مع إنشغالات الخالة فاطمة بالخياطة و ببقية أخوتها لم تجد صبرة ملاذ لها سوى التلفاز .
تقضي يومها كالأتي ... ترتب البيت و تطبخ الأكل .. تتجه إلى الصالون لتفتح التلفزيون ، قبل أن يعود زوجها من العمل تحديدا على الساعة الخامسة . موعد برنامج المرأة والشريعة أو أحكام النساء أو ربما الجنة و النار أو في سبيل المصطفى ... فبرامج دعاة الاسلام الموجهة للنساء لا تحصى و لا تعد .. جلست صبرة على الأريكة وضعت أمامها كاس شاي لتشاهد حلقة تتمحور حول حقوق الزوج وواجبات الزوجة تجاهه. وما إن قال الشيخ المحاضر:"سنتحدث عن أداب المعاشرة بين الأزواج" حتى تغيرت تقاسيم وجهها وازداد انتباهها إلى التلفاز مع رفعها لصوته . قالت في نفسها : "على راي أمي بركانة شيوخ الفروشات ههههه ربي يذكرها بالخير أمي بركانة إييييييييييه "
إستهل الداعية موعظته بما قاله الإمام إبن تيمية في كتابه أحكام النساء الذي إشتراه عبد الستار لصبرة الشهر الماضي : "على المرأة أن تعلم أنها كالمملوكة للرجل" أي جزء من أملاكه ووجب عليها طاعته ويستند بذلك بالحديث النبوي الشريف: "لو كنت آمرا أحدا لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" ، يشرح الشيخ الوضعيات الجنسية وما على المرأة من واجبات ومنها أن تتزين وتتعطر و تقبل زوجها من موقع كذا وتلمس فيه كذا وتستقبل سائله المنوي الذي سيكرمها بصفة الام وعليه يقول النبي (ص) من حق الزوج على الزوجة اذا أرادها وراودها عن نفسها وهي على ظهر بعير لا تمنعه". يمضي الشيخ في ذكره لوصايا الاسلام للمرأة بأنه وجب عليها ان تكون: ودود وصبورة على زوجها ولا تضغنه حتى لا تلعنها الملائكة ويذكر الشيخ أن اكثر أهل النار نساء وأن الله يعاقب كل من سألت زوجها الطلاق من غير بأس تحرم عليها الجنة (حديث نبوي)..
ومع موسيقى البرنامج المخيفة وذكر جهنم و بئس المصير في حال عدم صبرها على زوجها، إغرورقت عيناها بالدموع ووضعت يديها على وجهها ثم صمتت وتمددت على الكنبة والرعشة تنتابها والعرق يتصبب من جبينها، رافعة يداها إلى الله قائلة: ألا يوجد في شرعك ذنب إغتصاب الزوجات؟
أ لا يمكن أن يكون ذلك من الكبائر؟ أين عدلك؟ لم أعد أطيق تحمل أنني أنثى .... فسبحان من يمحو خطايا الرجل ويعاقب خطايا الزوجة ...
نظرت صبرة إلى غرفة نومها وطأطأت رأسها، فهناك تعيش قهرها الليلي منذ أربعة أشهر حيث ترى شتى أنواع الإذلال، فزوجها يستمتع بتعنيفها عندما يضاجعها و يجبرها على التمسح بسائله المنوي وهي جاثمة على ركبتيها وإن رفضت أو امتنعت يقوم باغتصابها وضربها وتعنيفها.
وفي أغلب الاحيان يفرض عليها وضعيات لا يتحملها إلا لاعب سيرك أو بهلوان محترف، فالنشوة عنده تزداد كلما ازداد بكاؤها وألمها وكلما فرض نفسه عليها . هذه المشاهد لا يمكن لصبرة أن ترويها لأمها أو لأي أحد لأنها صغيرة في السن و سيقولون دلال بنات و ثم كل ما تشرع في قول شيء لأمها إلا
وتقاطعها بحكايا الجارات و العائلة و تروي لها خلافاتها مع الجدة بركانة و تختم حديثها بـ:" شوف انت راك سرّ راجلك و أي شيء يدور بينك وبينو يبقى بيناتكم" تلك العبارة تجعل صبرة تصمت و تكتم معاناتها .
أخذت صبرة تتحسس الألم الذي في فخذيها وأثار الكدمات التي خلفت نقاطا زرقاء قاتمة تشهد بفحولة عبد الستار و قوته و خبرته في التعاطي مع اجساد النساء . نظرت صبرة إلى التلفاز و تمعنت في شكل الداعية الذي تناسى ذكر واجبات الزوج ومر مرور الكرام على قول النبي ( ص) : "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". غالى في تكريم الذات الذكرية ليصل إلى منحها رخصة الضرب والتعنيف
فالشيخ الجليل يرى أن الضرب وهجر المضاجع آلية ووسيلة مباركة لتأديب ذلك الكائن الأعوج الذي يقوم بوظيفة وعاء لسائل مبارك.
فلولا تلك الوظيفة لظلت صبرة "عزباء بلا زوج وبلا كرامة فاسم زوجها يمنحها صفة ومكانة بين قريناتها وصمتها على أذاه سيزيدها كرامة ورفعة أمام أهلها وستجزى على ذلك في الآخرة" كما قال الشيخ و كما توصي الام فاطمة .
إنتهى البرنامج على الساعة السادسة وقرب موعد عودة زوجها من العمل، مسحت صبرة دموعها ورجعت إلى المطبخ وهي تغني: "هام رحلو بيكي ما قدرت انهني .. يا أم الغثيث محني نطلب عالربي غزال لي شرد يولي ثم نفرح و نغني " لتطهو العشاء ولتستعد لمأساتها اليلية فسبحان من منح "صبرة" حزن القافية وأهدى زوجها بيت القصيد وقوة الروي .
بعد أسبوع ، زار العم إبراهيم إبنته و قال لها : أمي تسأل عليك و راهي حيرتني انت لاباس ؟ أجابت صبرة : أنا الحمد لله فمة حاجة ؟ أجاب العم إبراهيم : أمي حلمت بيك البارحة انت قدام زاوية سيدي بومخلوف وعطشانة و لحمك أزرق" أنهارت صبرة بالكاء و قالت لأبيها : هزني للكاف و لامي بركانة"
قال العم أبراهيم : استهدي بالله راك بنية واعية شنوة تصدق في حديث الأولياء متاع أمي ؟ استمرت صبرة بالبكاء فالموضوع ليس متعلقا بسيدي بومخلوف بالكاف بل هو وجع تعيشه صبرة كل ليلة .
جراء تلك الألام و الوجع لم تستطع صبرة أن تحبل كما فقدت بعض الكيلوغرامات اثر هذا الزواج المبارك ، الام فاطمة تقول أن:"البنية صغيرة و متوحشة دار بوها " .
مسحت صبرة دموعها و فهمت أن أباها لن يحس بها كما أن الخالة فاطمة تسعى لانجاح زواج صبرة بعبد الستار و إن كان على حساب سعادتها و حياتها ، إستغلت غياب عبد الستار عن البيت و ذهبت إلى محل الهاتف العمومي و اتصلت بجدتها بالدهماني ما إن قالت : ألو حتى قالت الجدة :" إجا بنتي للدهماني" قالت صبرة : كيفاش انجيك ؟ راهو محكوم فيا ... ردت الجدة : رخص السلايا و لا رخصي نايا ... مترخصي بروحك يا غالية .. أيجا لامك تاقفلك ... "
حديث الجدة مسح ألام صبرة و عادت لبيتها بروح أخرى ، و فتحت الراديو على موجات إذاعة تونس الثقافية و جلست في البلكونة تستمع ، مشهدها إستفز عبد الستار الذي رفع صوته عليها و قال لها : "مزال تقعد في البلكونة نقصلك راسك ... ردت صبرا حينها : بنت بوك انا باش تقلصي راسي ؟
نظر إليها عبد الستار و قال : شوف اه سيدي كى الفرخة طلعت قريناتها ريض و لا نحيلك والديك يا بنت لحرام ... و بدأ وابل الشتائم ينهمر عليها و قام بمسكها من شعرها و أسقطها على الأرض و ضربها ثم غادر البيت ، ما إن خرج حتى هربت صبرة من البيت و بدّأت في الجري تجاه بيت أبيها ، كانت تجري بدون حجاب لابسة جبة حمراء مقطعة و الدماء تسيل من أنفها .
وصلت للبيت ، فأستعجبت الأم التي لم تعرف أبنتها كما أكفهر وجه العم إبراهيم و اتجه لملاقاة إبراهيم ، قامت الخالة فاطمة بمسح جراح إبنتها و بالبكاء عليها و على الحالة التي آلت اليها ، كانت منى أختها الصغرى تآتي بالماء و العطرشية لتساعد صبرة على إستعادة أنفاسها . ما إن أستفاقت حتى طلبت
من أختها الإتصال بالجدة البركانة. رفضت الام ذلك و قالت : خليها توة مراه كبيرة باش تجينا من الكاف ؟ زمجرت صبرة و قالت :" تجيني أمي و لا نحل كرشي بسكينة و نعمللكم فضيحة و حق رجال الكاف مانوريكم النساء اش تعمل ؟ سمعها العم ابراهيم تقسم برجال الكاف لأول مرة في حياتها ... فقال لها : مش لازم أنا نهزك غادي و برد وجهك .. و شد طريق الكاف و حصحاصو "
همست الام فاطمة في أذن زوجها : بنتك إيمينها صادق .. هزها للدهماني تبرد وجهها وخلينا هوني نشوفو الحكاية .. الطفلة باش تموت بنتي مضامة ياناري " رد الاب : الحديث وفى غدوة تمشي لأمي و ترتح أعصابها .."
ركبت صبرة الشاحنه مع أبيها على الساعة الثامنة صباحا و ما إن تجاوزوا برج عامري أغلقت صبرة إذاعة الزيتونة و بدأت تغني :
يا غيم العشوة و يا ياربي يايا .. يا غيم العشوة و طالت الأيام و توحشنا و يا عذابي يا .. و يا طريق الكاف و حصحاصك أه .. و لا الجاوي و لا يا عذابي يا ..يا و ولا الجاوي حليل المعشوق أش يساوي يا عذابي ... يا مشية خالي مشية الغزال فوق الندوة و يا عذابي ...
قال أبوها : فوق الندوة و ماجاش اليوم يرجع غدوة و يا عذابي يا ... و تعالت ضحكات العم ابراهيم
و تعالت ضحكات صبرة معه ..
وصلت صبرة للدهماني و حضنت أمها بركانة التي إستقبلتها بيديها المفتوحتين و قالت : بنتي الغالية جات ,, مرحبا بالغالية .." جلست الأم بركانة وحضنت صبرة و ضعت رأسها على فخذها و بدأت تداعب ...خصلات شعر و تربت بيديها عليه ..قال لها العم إبراهيم :" هاو باش نخليهالك اشبع بيها " ضحكت بركانة :" ولدي الي ما يسمعش كلام كبيروا ... راني أمك و نعرف" صمت العم إبراهيم و قال : المهم هاي حذاك لين نعلموا راي ... ردت بركانة و: "و حق رجال الكاف متروح كان كي تاخولها بحقها ..
و مهيش مروحة لراجل هانها ، ولدي روح انهار راح عليك" .
إبتسمت صبرة و أغمضت عينيها ، فالجدة لن تصمت على الظلم و لن تسمح بان تهان إبنتها ، قبلت صبرة يد جدتها و نامت في حضنها ... لتستلهم منها القوة و تشتم رائحة الأرض و الضرع لتسقي روحها العطشى ولم تجد الجدة بركانة ترياقا لجراح صبرة سوى "الجرح يبرى يا صبرة".