الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

حقيقة تفوق القاصة (المرأة) على القاص (الرجل) بكتابتها

  • 1/2
  • 2/2

 المشهد الثقافي في الكويت لم يعد ذلك المشهد البطيء في تغيراته كما في السابق، يتحرك محاولاً ان يسبق السلحفاة ليحرك ساكنا ويصدر ضجيجا عندما يميل قليلاً عن اتجاهه عند بروز طفيف لمظهر أو قضية تنعكس على ملامحه العامة دون ترك أثر في لبه العميق لتترسخ قواعد جديدة ومشاهد تُشكل ذاتيا.
أما بعد سهولة التواصل وعرض الكثيرين تجربتهم علانية من خلف المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة التي أزاحت وحطمت الحدود البيروقراطية في عالم الثقافة يكاد كل يوم يحدث تغيير ربما يكون طفيفا أو يُخلق مشهد جديد بهزة مزلزلة ولعل أهم هذه المشاهد التي انتبه لها خاصة الأدب وعامته وقارئه عودة القصة القصيرة إلى اهتمامات الروائيين وخاصة الشباب وكذلك قناعة البعض بتفوق الروائيات على الروائيين في هذا المجال إبداعا وجودة وكماً للإصدارات القصصية القصيرة، ولا بد أن يكون لذلك أسبابه التي حاولنا أن نكتشفها ونكشف عنها من خلال هذا التحقيق الذي أجريته مع ثلاثة روائيين يمثلون رؤى مختلفة حول الموضوع وهم طالب الرفاعي ومنى الشمري وباسمة العنزي، وحتى يكتمل المشهد بهذه الرؤى المتفاوتة زمنيا ونوعياً بوجهة نظرها مزجناها بالرأي النقدي من خلال مشاركة أستاذ النقد في المعهد العالي للفنون المسرحية الدكتور علي العنزي لتكتمل زواياه.
بداية قال الروائي طالب الرفاعي ان الرواية تصدرت بشكل لافت، وتحديداً خلال العقدين الماضيين المشهد الأدبي ليجعل منها الجنس الأدبي الأكثر تسيّداً على باقي الأجناس الأدبية، حتى انتشرت مقولة «العالم يعيش عصر الرواية». ويمكن التدليل على ذلك بأكثر من أمر بينها نصيب الرواية المرتفع بين إصدارات دور النشر العالمية والعربية، وتوجّه عدد كبير من النقاد للتخصص في نقد الرواية، وأخيراً الكم الكبير من الجوائز الأدبية التي تقدم لها عما سواها مستدركاً بأن هذا مجتمع لا ينفي حضور فن القصة القصيرة، خاصة والسحر الإبداعي الذي يلازم هذا الفن الصعب.
وأشار الرفاعي أن الدوائر الأدبية عالمياً وعربياً بدأت تشهد خلال السنوات الماضية عودة لفن القصة وأن مصدر ذلك حيوية هذا الفن وقدرته على تمثّل الهم الإنساني اليومي العابر، وتشبع السوق العالمية والعربية بنتاج الرواية، وطبيعة اللحظة الإنسانية الراهنة بتسارع رتمها وسيطرة مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي على اهتمام شريحة كبيرة من القُراء وكاد يجزم أن السنوات القادمة ستشهد ازدياد مطرد بنتاج القصة القصيرة، لتعود إلى مكانتها الرائدة، كما كانت في بداية الستينات وحتى منتصف الثمانينات.
واوضح أن اشتغال عدد أكبر من الفتيات والنساء بكتابة القصة القصيرة في الكويت مقارنة بالأقلام الرجالية مشهد طبيعي، فالفتاة الكويتية متفوقة بما لا يقاس في نتائج الدراسة الثانوية والجامعية بسبب ظروف المجتمعات العربية عامة والخليجية خاصة بالتضييق عليها مما يجبرها على البقاء حبيسة البيت وتمتعها بفسحة من الوقت تتيح لها القراءة والكتابة.
وزاد الرفاعي أن الظلم والقهر الواقعين عليها يجعلانها تفكر بتفريغ شحنة وجعها وليس كالكتابة صوت لمن لا صوت له ،خاصة وأن البحبوحة المالية أدت إلى توفر أجهزة الكمبيوتر، واتصالها بشبكة الإنترنت، وإذا ما رُبط ذلك بسهولة النشر سواء عبر دور النشر المحلية أو العربية فإن هذا مجتمع يؤدي إلى تفوق المرأة الخليجية على الرجل في الكتابة عامة، والكتابة الروائية والقصصية خاصة. مع ملاحظتي بأن تحقق الشرط الفني للكتابة هو الفيصل في أهمية ما يطرح من نتاج.
وذكر مجموعة من أسماء قصصية نسائية لامعة في الكويت خصوصاً من الأجيال الشابة من بينها باسمة العنزي ومنى الشمري وتالياً تأتي أسماء كإستبرق أحمد ونورة أبوغيث إلى جانب أسماء شبابية رجالية مثل خالد النصر الله ومشاري العبيد وعبدالعزيز مال الله والشاب الواعد عبدالله العتيبي.
واختلفت الروائية منى الشمري مع ما طرحناه وقالت على العكس تماما وأجد ان الإقبال الآن في الكويت والعالم العربي ينصب على كتابة الرواية مستشهدة بذلك على أنه نادرا ما تصدر مجموعة قصصية قصيرة مستوفية شروطها الفنية بمستوى عال من جودة خامة الإبداع.
وعللت ذلك بعدة أسباب منها ان القصة القصيرة كفن أصعب من الرواية لانها تحتاج من الجهد المضاعف لحجمها المحدود الذي يتطلب تكثيف الحدث ونثر الإشارات المقتضبة التي تقود النص بشحنة الطاقة القصصية والإيحاءات والمعاني بخصوصية سردية للمتلقي، أما السبب الثاني فهو حجم الاستهلاك الأدبي الفعلي وتدخل ما يقتضيه التداول والحاجات النفعية عند القراء بعيدا عن معيار الملاءمة وهو أمر يأخذ الأشكال الأدبية إلى ضفاف بعيدة عن روحها وحقيقتها النسقية والجمالية.
وتابعت الشمري مثل هذا الأمر يثير تحديات حقيقية أمام المبدع وعلاقته بالنص الذي يخلق سياقه الخاص ويعمل عليه بانسجام داخلي يعتني بمعطيات النص وبنيته الكلية وقبوله لشرط التأويل بعيدا عن منزلقات الصدارة والشكل المهيمن انغماسا وراء النفس التجاري السائد الذي يشجعه الناشر ويحث عليه، ولهذا تجد الرواية احتفاء لاتجده القصة القصيرة في الوقت الراهن.
وكشفت بأنها لا تؤمن بما يتداوله خاصة الأدب وعامة القراء بالنسبة لتفوق المرأة القاصة على الرجل القاص ولا تؤمن بهذا النوع من التصنيف أو التهميش أو المفاضلة «وسموها ما شئتم» وأنها تؤمن بالنص الجامع لشروطه الفنية، اللامع بجمالياته وأطروحاته المؤثرة إذا استبعدنا الخواطر العاطفية التي تكتبها الكثيرات في الكويت وتنشر تحت مسميات نصوص أو قصص حينها سنجد إن المرأة ليست متفوقة على الرجل في الانتاج القصصي إنما الكم الفاقد الهوية الذي يعجز عن أن يتشابك مع أي من الأجناس الأدبية لأنه هزيل ويثير الغبش في المشهد الثقافي ويصور ان هناك إنتاجا أدبيا نسائيا أوفر بينما هو في حقيقة الأمر أنثوي يجد أحيانا قراءات نقدية مجاملة تروج له تتخلى عن مسؤوليتها الأخلاقية في تضليل القارئ لسبب نبيل غير مبرر وهو التشجيع من أجل التشجيع.
ورأت من جانبها الكاتبة الروائية باسمة العنزي أن الاصدارات القصصية وتزايدها لا يعود إلى أسباب الاهتمام الفعلي بالقصة كشكل سردي، بل كجزء من ظاهرة تزايد الاصدارات عموما ونصيب الأسد من هذه الإصدارات تحصده الرواية والقصة معا بلا تفاضل بينها.
وأوضحت أن المجموعات القصصية الصادرة في السنوات الأخيرة تتراوح ما بين المتمكن والضعيف، ويظهر ذلك جليا فيما بينها من خلال التفاوت في المستوى الفني وأن المشهد لم يتوقف عند ذلك من الضعف والوهن، فهناك إصدارات ضلت طريقها فوضع على غلافها مجموعة قصصية وهي أقرب للخواطر والفضفضة!
وتابعت العنزي بقولها أنا لا أدقق في مسألة أي جنس أدبي أكثر أقبالا من المرأة في الاتجاه إليه كتابة، ولا أظن أن القاصة تفوقت على القاص في غزارة الانتاج مؤكدة على أن العملية ليست متعلقة بسلعة استهلاكية قابلة للقياس بعزوف الرجل عن استخدامها بل هي سهولة النشر التي شجعت الكل على طباعة انتاجه.
وأضافت ربما حققت بعض الأسماء النسائية حضورا في القصة لكن ذلك لا يكون ظاهرة نستند عليها خاصة في ظل غياب الأرقام كعملية مدروسة مثبتة وان أزمة القصة الحقيقة ومعاناتها يكمن في عزوف القراء وندرة النقاد وانحسار الضوء عنها لصالح الرواية في الوقت الراهن.
أما الجوانب النقدية في محوري التحقيق فقد أضاءها أستاذ النقد في المعهد العالي للفنون المسرحية الدكتورعلي العنزي الذي بدأ القول ان للقصة القصيرة عشاقها ومتذوقيها كويتيا وخليجيا، وهي من الأجناس الأدبية التي لها سياحها لما لها من تأثير ومتعة على متلقيها وبأنه شخصيا من عشاق القصة القصيرة باعتبارها تتميز بالميل إلى التكثيف، ولا تحتمل أصول كتابتها أكثر من حدث واحد؛ وهو أسلوب كتابي أعده الأقرب إلى ذائقتي مستذكرا في هذا الصدد وصف يوسف إدريس بأن القصة القصيرة «مثل الرصاصة؛ تنطلق نحو الهدف مباشرة»، أو كما قال الناقد الأرجنتيني أندرسون امبرت الذي يصف القصة القصيرة بأنها تتضمن «موقفا تترقب حل عقدته بنفاد صبر، يضع القص نهايته فجأة في لحظة حاسمة مفاجئة».
وأكمل العنزي أن للقصة القصيرة روحاً قريبة من روح عصر السرعة بكل تناقضاته وإشكالاته المختلفة، وكل ما يحتاجه من سرعة في تفجير الأسئلة في ضمير المتلقي. وغني عن البيان ان الإقبال على القصة القصيرة كبير بين أدباء الكويت، وقلما نجد روائياً كويتياً مخلصا إخلاصا كاثوليكياً لجنس الرواية فقط، فجميعهم تقريبا، خاضوا في غمرة حياتهم الأدبية تجربة إبداعية واحدة أو أكثر في مجال القصة مرجعاً ذلك الى أن الكويت ضمت بين أضلعها علامات مخضرمة وأخرى شابة في مجال القصة القصيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر د. سليمان الشطي، وليلى العثمان، وطالب الرفاعي، وباسمة العنزي، وميس العثمان، وإستبرق أحمد ومنى الشمري.. وغيرهم كثر.
وانتقد الناشئة من أبناء الكويت والخليج عموما على بروز آفة بين صغار الكتاب، تتمثل في أنه على النقيض من جنس الرواية التي تصور النهر، كما يقولون – من المنبع إلى المصب، أما القصة القصيرة فتصور دوامة واحدة على سطح النهر ولذلك بعض الشباب الجدد غير قادرين على إثراء أعمالهم القصصية لتصير حمالة أوجه ويقصد أن تحمل وجهًا ظاهرًا للجميع، وآخر أعمق لا يدركه إلا المتذوق الجيد لاستعانة أغلبهم بدفقات المشاعر للتعويض عن هشاشة حبكة الأحداث. ولا ريب أن غير بالغي الرشد من كتاب القصة مطالبين بتذوق المزيد من الأعمال والاطلاع على الدراسات النقدية للتوسع في القدرة على إدراك أدق فنيات كتابة القصة إدراكا واعيا.

القدس العربي

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى