حين تتتبع تاريخ جرثوم «التمييز العنصري» الساكن بعقل الإنسان، ستجد أن أقدم جنس مورس ضده «التمييز العنصري» المرأة، وكان السبب «أسطورتين»، الأولى تؤكد أن قدوم أول امرأة للأرض كان لمعاقبة الرجال، وكانت تصحب معها صندوقا بداخله «كل الشرور» ففتحته في الأرض.
الثانية تتحدث عن أنها جاءت أو قدمت هدية للرجل، فأصبحت ضمن أملاكه.
هاتان الأسطورتان، وإن لم يعد الإنسان يتذكرهما، إلا أنهما تشكلان رؤية الرجل للمرأة، ومن خلالها يتعاطى مع أمور المرأة، فحين يتحرش شخص بامرأة بالسوق، أول ما يتبادر للذهن «ليه طالعة لوحدها»، بمعنى أين مالك الهدية، فيلام «الأب/ الزوج» بنفس الطريقة التي نلوم بها صديقا نسي أغراضه بمكان عام فعاد ولم يجدها، إذ نقول: «الله يهديك أكيد لن تجدها فأولاد الحرام كثر».
أو حين تمارس المرأة نفس الحق الذي يمارسه الرجل «كالعمل أو اللعب بالملاهي» فيتم التحرش بها، أول حل يتبادر للذهن منع المرأة من ممارسة هذه الحقوق، بصفتها حاملة الشرور، التي علينا أن نخفيها، ليختفي التحرش/ الشر.
هذا التمييز العنصري لم تبدأ المجتمعات محاولة التخلص منه إلا في القرن الماضي، إذ سمحت كل مجتمعات العالم للمرأة بأن تشارك في الانتخابات ويصبح لها «كيان مستقل»، باستثناء دولة «الفتيكان» التي ما زالت تمنع المرأة من التصويت.
ورغم محاولات المجتمعات، باستثناء «الفتيكان»، إلا أن «التمييز العنصري ضد المرأة» لم يختف، وما زال موجودا وإن تفاوتت النسب بين مجتمع وآخر، وما زالت بعض المجتمعات عالقة داخل «الأسطورتين»؛ لهذا تتعاطى مع قضايا من المفترض أن تكون خاصة على أنها قضية رأي عام كعمل المرأة بمهنة ما، مع أن هذا لا يحدث إن عمل الرجل بنفس المهنة، وهذا الصواب.
فالمجتمع من حقه مناقشة إقرار عمل ما، وحين يمنحه الصفة الأخلاقية «مهنة ــ عمل شريف»، من المفترض أن ينتقل الأمر للأفراد، ليحدد كل منهم المهنة التي يرغب بها، دون تدخل.
أما مسألة الأمن، فهذا حق لكل فرد، وحين نمنع الفرد من ممارسة مهنة بحجة «متحرش محتمل»، نحن هنا نعاقب الضحية ونقر التحرش في غياب المالك/ الحارس.
ويبقى السؤل: متى يصبح عمل المرأة قضية خاصة، لينشغل المجتمع بالشأن العام والمشترك، فقضية عمل ابنة/ زوجة جارك ليست شأنا عاما؟.