ابتسم لها سائق سيارة الاجرة من بعيد و هي تنزل مترنحة في مشيتها ، بسبب كعبها العالي محاذرة من السقوط ، خاصة و انها تعاني من "فوبيا " المدارج المزمنة منذ صغرها ، و مع انها لم تعرف لهذه الحالة من اسباب ابدا ، إلا انها حاولت جاهدة التخلص منها بالعلاج النفسي و لكنها فشلت تماما .
رفعت بصرها لهنيهة صغيرة عن موضع قدميها ، و رمقت السائق بنظرة استكشافية قصيرة و سريعة جدا ، ارادت ان تحدد اذا ما كانت ابتسامته للتشجيع ، او اعجابا بالفستان ، علها تجد في ذلك ما يريحها و يمنحها ثقة اكثر و يعزز صواب اختيارها للأسود ، لكنها لم تستطع ان تحدد معنى و كنه ابتسامته ، لان خوفها من السقوط و فقدان التوازن كان اكبر فانعدم تركيزها .
استقلت السيارة و جلست في المقعد الخلفي ، تعلو وجهها ابتسامة مرتبكة ، و هي ترمق السائق الذي لم تفارقها نظراته ، و للمرة الالف لعنت خجلها المصحوب دائما بالارتباك ، طال الصمت و السائق يحملق فيها و هي تخفي نظرتها و تفكر كيف يجب ان تبدأ الحديث ، اخيرا قطع السائق حبل الصمت متحدثا : اين تذهبين سيدتي ؟ اجابت باقتضاب و هي تشيح بوجهها في اتجاه النافذة : مطعم النجمة الزهراء من فضلك .
انطلقت السيارة بهدوء تقطع الشوارع التي خلت من زحمة السير ، نسيم عذب بدأ يتسرب من النافذة المفتوحة ، اخذ يداعب خصلات شعرها ، تحب دائما هذا الاحساس الذي تتركه يد الريح حين تعبث بخصلاتها و تجعلها تطير و ترتفع ثم تحط على وجهها خفيفة و منسابة .
في داخلها كانت تعتمل أفكار كثيرة ، و تتداخل مشاعر مختلطة تراوحت بين الخوف و الفضول ، الرهبة و التوق للمغامرة ، ثم في لحظة فقدت الاحساس بالزمن و باللحظة الراهنة ، حلقت داخل ذاتها و عادت تصغي الى جسدها الذي احتفت به اليوم كثيرا ، احست فجأة انها سعيدة ، اجل هي سعيدة جدا ، احبت شكلها كثيرا عندما وقفت امام المرآة ، اصغت لجسدها يبتسم و يشكرها ، لقد أحست حقا بالنشوة لأنها و لأول مرة ، تكرم هذا الجسد تعطيه الحق في ان يذهب الى موعد كان هو فيه صاحب الخيار ، كان هو من قرر ان يختار ما يعجبه لا ما يعجب الاخرين ، كان صاحب الكلمة العليا.
استيقظت من افكارها على صوت السائق يخبرها بأنها وصلت ، دفعت الاجرة و نزلت متمهلة لكن متعثرة الخطوات بعض الشئ ، دخلت المطعم بهدوء ، استقبلها النادل بابتسامة عريضة ، و قادها نحو طاولة صغيرة قرب النافذة ، كانت قد قامت بحجزها منذ بداية الاسبوع ، سحب لها الكرسي جلست مبتسمة بلطف ، طلبت عصير ليمون في الانتظار ، انسحب النادل بلطف بعد ان احضر الطلب ، و ظلت بمفردها مع الكأس و اضواء المدينة الخافتة خلف زجاج النافذة تتراقص امام انظارها .
(يتبع)