الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

الفستان الأسود (الجزء الثالث)

  • 1/2
  • 2/2

ابتسم  لها  سائق سيارة الاجرة من بعيد و هي تنزل مترنحة في مشيتها ، بسبب كعبها العالي محاذرة من السقوط ،  خاصة و انها تعاني  من "فوبيا " المدارج المزمنة  منذ صغرها ،  و مع انها  لم تعرف لهذه الحالة من  اسباب ابدا ،  إلا انها  حاولت  جاهدة التخلص منها بالعلاج النفسي و لكنها فشلت تماما .
 رفعت بصرها لهنيهة صغيرة عن موضع قدميها ، و رمقت السائق بنظرة استكشافية قصيرة و سريعة جدا ، ارادت ان تحدد اذا ما كانت ابتسامته للتشجيع ، او اعجابا بالفستان ، علها تجد في ذلك ما يريحها و يمنحها ثقة اكثر  و يعزز صواب اختيارها للأسود ، لكنها لم تستطع ان تحدد معنى و كنه ابتسامته ، لان خوفها من السقوط و فقدان التوازن كان اكبر فانعدم تركيزها  .
استقلت السيارة و جلست في المقعد الخلفي ، تعلو وجهها ابتسامة مرتبكة ، و هي ترمق السائق الذي لم تفارقها نظراته ، و للمرة الالف لعنت خجلها المصحوب دائما بالارتباك ، طال الصمت و السائق يحملق فيها و هي تخفي نظرتها و تفكر كيف يجب ان تبدأ الحديث ، اخيرا قطع السائق حبل الصمت متحدثا : اين تذهبين سيدتي ؟ اجابت باقتضاب و هي تشيح بوجهها في اتجاه النافذة : مطعم النجمة الزهراء من فضلك .
انطلقت السيارة بهدوء تقطع الشوارع التي خلت من زحمة السير ، نسيم عذب بدأ يتسرب من النافذة المفتوحة ، اخذ يداعب خصلات شعرها ، تحب دائما هذا الاحساس الذي تتركه يد الريح حين تعبث بخصلاتها و تجعلها تطير و ترتفع ثم تحط على وجهها خفيفة و منسابة .
في داخلها كانت تعتمل أفكار كثيرة ، و تتداخل مشاعر مختلطة تراوحت بين الخوف و الفضول ، الرهبة و التوق للمغامرة ، ثم في لحظة فقدت الاحساس  بالزمن و باللحظة الراهنة ، حلقت داخل ذاتها و عادت تصغي الى جسدها الذي احتفت به اليوم كثيرا ، احست فجأة انها سعيدة ، اجل هي سعيدة جدا ، احبت شكلها كثيرا عندما وقفت امام المرآة ، اصغت لجسدها يبتسم و يشكرها ، لقد أحست حقا بالنشوة لأنها و لأول مرة ، تكرم هذا الجسد تعطيه الحق في ان يذهب الى موعد كان هو فيه صاحب الخيار ، كان هو من قرر ان يختار ما يعجبه لا ما يعجب الاخرين ، كان صاحب الكلمة العليا.
استيقظت من افكارها على صوت السائق يخبرها بأنها وصلت ، دفعت الاجرة و نزلت متمهلة لكن متعثرة  الخطوات بعض الشئ ، دخلت المطعم بهدوء ،  استقبلها النادل بابتسامة عريضة ، و قادها نحو طاولة صغيرة قرب النافذة ، كانت قد قامت بحجزها منذ بداية الاسبوع ، سحب  لها الكرسي جلست مبتسمة بلطف ، طلبت عصير ليمون في الانتظار ، انسحب النادل بلطف بعد ان احضر الطلب ، و ظلت بمفردها مع الكأس و اضواء المدينة الخافتة خلف زجاج النافذة تتراقص امام انظارها .   

(يتبع)

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى