عندما تسمع من يقول إننا في زمن السرعة فهو محق، وعندما تسمع من يقول إننا في زمن التكنولوجيا وسيطرة الآلة، فهو أيضاً محق، فالمخترعات والمبتكرات مستمرة ومتسارعة في وتيرة متسقة لا تتوقف أو تبطئ، وفي أحيان نسأل أين يمكن للإنسان أن يصل، وعندما نستعرض البعض من المبتكرات نجدها قد تجاوزت معنى الفائدة للبشرية، بل باتت تلغي أدواراً تقليدية كان متعارفاً أن يقوم بها الإنسان نفسه.
نحن ندلف لعالم بات كل ما يحيط بنا وما يرافقنا طوال أربع وعشرين ساعة هي أجهزة إلكترونية متناهية الصغر ودقيقة وتتطور دوماً ببرامجها وتطبيقاتها، ولاستخدامها نهدر وقتاً وفي اللحظة الزمنية نفسها لا يمكن لنا الاستغناء عنها، نظرة بسيطة وسريعة لأجهزة الكمبيوتر التي تشغل مركباتنا الحديثة ذات الموديلات الجديدة، والتي بعد ثلاثة أعوام من الآن ستصنف بأنها قديمة وتكون في السوق مركبات أحدث وأكثر حساسية بما فيها من أجهزة استشعار ومجسات وحواسيب وغيرها.
لا تعتقد أن مثل هذا التطور في مرفق أو في جزئية من حياتنا أو في جانب، بل إنه تطور شامل وإذا صح القول ساحق، وهو يسحق تماماً لكثير من القيم الإنسانية، يدوس على كثير من المثل، ويتجاوز كثيراً من العادات من دون رجفة أو تأنيب أو يقظة من ضمير، لأن هذه طبيعة الآلات، فهي لا تصغي ولا تحس ولا تتألم، وتعمل وتعمل وتعمل، لذا نحن نحبها ونفضل إنتاجها على أخينا الإنسان الذي نعزله ونلقي به في الشارع ومعه نرمي بأحلامه وطموحاته.
مصانع كبرى في أرجاء الأرض كافة تعمل اليوم وتنتج بحفنة من العمال، لأن من يعمل هي المعدات والأجهزة والإلكترونية، في وقت ماض كانت مثل هذه المصانع تحتوي الآلاف من العمال.
الغريب بحق أننا نلاحظ إنتاجاً تقنياً وتكنولوجياً ترفيهياً هائلاً بمعنى إنتاج غير ضروري، وعلى الرغم من هذا يحقق مكاسب هائلة، وله جمهور واسع في مختلف أرجاء العالم.
الإنسان بعد أن ملأ هذه الأرض بالأجهزة والأدوات بات يتطلع لأرض جديدة في كواكب أخرى من هذا العالم الفسيح، وكل يوم العلماء ينشرون نظريات وظنون عن كواكب يشبه مناخها الأرض ويمكن العيش فيها، وغني عن القول، إن الإنسان بمجرد أن يضع يده في موقع جديد سيستعمره، ومن يعلم قد نجد هذا الكوكب الأزرق وقد تحول لدمار، بسبب الحروب وأدخنة المصانع، فتحدث هجرة بشرية لكواكب أخرى أكثر نقاء وجمالاً.