بالنظر إلى الأحداث التي حرّكت الشارع اللبناني خلال العام 2013، وحتى قضية الرئاسة اللبنانية الشاغل الأكبر اليوم، يمكن القول أنّ قضية المرأة، وحقوقها وإقرار قانون العنف الأسري، كان كل هذا الملف أحد أبرز القضايا التي أثارت اهتماماً ونقاشات وفعاليات مستمرة حتى اللحظة. إلاّ أنّ عرض «زنود الست» المسرحي اختار إعادة اختراع العجلة، التي اخترعها الكاتب المسرحي النروجي «هنريك ابسن» في مسرحيته الشهيرة «بيت الدمية» (1878-1879)، إذ عاد إلى داخل المنزل، إلى الحياة الزوجية الروتينية، لينطلق في تقديم رؤيته لحياة المرأة- اللبنانية- وأزماتها. وكأنّ كل هذه السنين لم تغيّر في صورة «نورا» بطلة مسرحية ابسن أي شيء، ولنجد أنفسنا نحيّا في القرن التاسع عشر مرّة أخرى، أو أننا لم نغادره بعد فيما يتعلق بقضايا المرأة على الأقل.
عن نص «امرأة وحيدة» للكاتب الإيطالي «داريو فو» وفرانكا راما ونص «جلد إلزا» للكاتبة الكندية كارول فريشيت، اشتغلت كل من الممثلة مروى خليل والمخرجة والممثلة وفاء حلاوي لكتابة وإنتاج وتمثيل عرض «زنود الست» الذي استضافه مؤخراً مسرح «مونو» في بيروت، بمشاركة باتريسيا نمور تمثيلاً، وتولّى شادي زين الدين إخراج العرض الذي أتى بقالب كوميدي موسيقي غنائي راقص.
مع تأخير استطال أكثر من ربع ساعة، دخلنا صالة المسرح المُظلمة، حيث طالعتنا خشبة مسرح مرتبة بعناية، تعرض شاشة التلفاز الموضوعة في صدر الخشبة تقريباً، لقطات متنوعة من عالم الدعايات الإعلانية، ومجموعة لقطات من أفلام رومانسية كلاسيكية شهيرة عربية وأجنبية، وحتى لقطات مختلفة من إنتاجات «ديزني» الشهيرة مثل «سنو وايت»، تؤكد جميعها على الصورة النمطيّة للمرأة، الجميلة، المُثيرة، الغارقة في دوامة الحب والتعبير عن عاطفتهاهذه، سيدة المنزل التي تروّج لأفضل المنتوجات الاستهلاكية المرتبطة بالعصر الحديث. ملكة المطبخ وفق إلى الثقافة الشعبية المتوارثة في توصيف المرأة المتميّزة.
من هذه النقطة ينطلق العرض، ليقدّم «أمل» التي تلعب دورها الممثلات الثلاث، وزوجها ويلعب دوره ثلاثة رجال كذلك، وندخل عالمها السحري، مطبخها، تفاصيل روتينها اليومي، اهتماماتها، وحدتها، علاقتها مع عائلتها وعائلة زوجها. وما بين الغناء والرقص، والحركة الموتورة، والخطاب اللغوي السريع الذي يكاد لا يعرف توقفاً، ويُنطق به يُذكر بالمرضى العُصابيين، ما بين كل هذا وذاك تتكشّف أزمات «أمل»، ونتعرّف إلى آلياتها في المواربة على خيبات أملها، هروبها من اعترافها بفشلها أو عدم رضاها عن نمط حياتها وعلاقاتها، لنصل إلى النتيجة المتوقعة بتحوّل مفاجئ في النهاية لشخصيتها أو مُصارحة مع شخصيتها الحقيقية التي أخفاها ثوب أحمر جميل، وملابس إغراء مُتقنة الصُنع.
إلاّ أنّ العرض أخفق في تحقيق أي مقاربة نجاح مع الأيقونة الأشهر «بيت الدمية» التي اختتمها «إبسن» بقرار بطلته ترك منزلها والانطلاق إلى العالم، فتخرج وهي تصفع باب منزلها خلفها، ومع الأثر الكبير الذي خلّفه نص «ابسن» وقتها في أوروبا أجمع، خاصة لقضية المرأة، اشتهرت مقولة: (أنّ نورا هزّت بصفعتها هذه أوروبا).
وكما كثرت العروض المسرحية التي ترافع فيها ممثلات لبنانيّات عن قضايا المرأة، كَثُرَ الارتكان إلى تقنية «المسرح داخل مسرح» ومُجدّداً يكون هذا السبيل طريقاً للكشف مع الجمهور وكسر الإيهام وتأكيد «اللعب المسرحي»، فنشهد في مقدمة العرض تصارع الممثلات على لعب شخصية «أمل» في المسرحية التي تعاونّ لتحقيقها. وهنّ وعلى الرغم من الكريوغراف الجيد الذي حظيّ به العرض، كان من الصعب عدم ملاحظة غياب الدقة والتنسيق المُتكامل في الحركات التي تتطلبه العروض الاستعراضية، وليس هذا على مستوى الحركة فحسب، بل انسحب في بعض الأحيان إلى تماوجات الخطاب اللغوي كذلك، الذي ربما كان يُفترض به أن يكون أقرب إلى اللعب على البيانو، بمفاتيحة البيضاء والسوداء، لكننا كجمهور لم نحصل سوى على المقاربة، وليس على المُرتجى ذاته.
ساعة وعشرون دقيقة لم ينجح خلالها عرض «زنود الست» بكسر رتابة التكرّار في تقديم الصورة النمطيّة لسيدة عالم الإعلانات في ستينيات القرن المنصرم، وتقديم جديد لقضية المرأة يشد المشاهد، على الرغم من الأغاني والرقصات وتعدد الإكسسوار على خشبة المسرح، وحتى الكوميديا التي وقعت في فخ الهزل أحياناً لم تكن كافية لإنقاذ عرض لا يقول جديداً. وبقيّ العرض يتراوح في دائرة الضجيج والفوضى أكثر من كونه عرضاً ينبض بالحياة، خاصة مع غياب التنسيق في تعاقب حركات المؤدين على الخشبة، وفقدان التناغم في إيقاع الأداء النسائي والذكوري وبين الاثنين معاً، كما في عدم ضبط لعبة «المسرح داخل مسرح»، في أجهزة ونظام الصوت الذي طغى أحياناً على صوت الممثلات، وحتى مع صوت الممثلات الذي كان يرتفع أحياناً في الغناء دون أن يكون مناسباً أو ملائماً.
فماذا يقول العرض الطويل هذا في نهايته؟ اننا لم نزل أسرى صورتنا الكلاسيكية لزوجة باسمة تخبئ مرارتها التي راكمتها السنون؟! حتى في العام 2014- زمن مشاهدة العرض- أو في زمن لاحق بحسب لافتات إعلانية رفعتها الممثلات. في المقابل نتساءل ألم يحن الوقت بعد لنعيد نحن أنفسنا النظر في رؤيتنا لتلك الصورة الكلاسيكية عوض إعادة إنتاجها كما هي؟!