التحديات التي تواجهها المؤسسة الأقدم في تاريخ البشرية، وهي مؤسسة الزواج، ليست هينة أو بسيطة، بل إنها تتعرض لتهديدات حقيقية وعميقة، بكل ما تعني الكلمة، والمتخصصون في الرعاية الأسرية والعلوم الاجتماعية دوماً يتحدثون عن هوة كبيرة أو فجوة تتسع بين عامودي هذه المؤسسة (الرجل و المرأة)، مايزيد من معدلات الطلاق، وتزايد القضايا التي تترتب على الانفصال.
يعتقد البعض أن الطلاق هو نهاية مرحلة بين المرأة والرجل، وكل ما في الموضوع، أن الزوجين لم ينسجما، وانتهى الموضوع، ولكن هذا تسطيح واضح للقضية، لأن هناك آثاراً كبيرة تترتب على هذا الانفصال، على سبيل المثال، إذا كان الزوجان في بداية الحياة الزوجية، فإن هناك معضلة نفسية واقتصادية، وأيضاً اجتماعية لهذا الانفصال، وإن كانت معاناة المرأة قد تكون أكبر، المعاناة النفسية، هي الفشل الذي سيتلبس الزوجين، وأنهما لم يوفقا في أهم مرحلة من مراحل حياتهما، وهي الحياة الزوجية، أما انهيار الزواج من الجانب الاقتصادي، فيتمثل في الالتزامات المالية التي تم تحملها والقروض التي تكبدها الزوج لإتمام زواجه، ثم بعد عدة أشهر ينهار كل شي فجأة، أما الآثار الاجتماعية، فتتمثل في أقوال الناس ونظرة المقربين ونحوها. وإن كان كل أثر تختلف حدته وسطوته حسب الوسط المعيشي للزوجين. أما إذا كان هناك أطفال، فالمعضلة أكبر، وآثار هذا الانفصال أكثر دوياً، وتبقى طوال العمر وجميعنا نعلم أن المحاكم تضج بقضايا الحضانة، والمطالبات بإعادة المهر أو الخلع، وغيرها كثير. ومع الأسف، هناك زيادة في أعداد المنفصلين، وفي القضايا التي تنظرها المحاكم.
أعود للحديث عن التهديدات والضغوط التي تواجهها مؤسسة الزواج، ولعل أكبر معضلة، هي دخول الإنسانية في عصرنا الحاضر لتاريخ جديد ومختلف تماماً عن سياقات ماضية في كافة مفاصل الحياة، في مجال الغذاء، في مجال التنقل والتواصل، في مجال الترفيه والعمل، في مجال التقنيات والحواسيب، وغيرها كثير، وأحسب أنه لم يواكب هذا التطور تطور في طبيعة العلاقات الاجتماعية بأسرها، فقد بقيت آليات الاقتران بين الرجل والمرأة في عالمنا العربي بصفة خاصة، تهيمن عليها بعض العادات التي تحد من النظرة الشرعية، أو من منع المرأة من بعض حقوقها، والذي قد يفسر بأنه جمود ومواجهة أمام التحولات والتغييرات. وهناك معضلة أخرى تتعلق بعدم تنمية الوعي لدى الشباب والفتيات بالحياة الزوجية، ففي عالم اليوم، رغم أن الشاب أو الفتاة يدخل إلى الحياة الزوجية وهو في سن ليست صغيرة، إلا أنه يفتقر للمعرفة بالحقوق والواجبات، وينتج عن جهل الشاب أو الفتاة بهذه الحقوق، ( الجهل بالحياة الزوجية) يحدث اصطدام واحتكاك بين الطرفين، وهو الذي يفرز كل هذه الأرقام المتصاعدة في الطلاق والخلع بين الأزواج، لذلك، لا غرابة في مشاهدة أن معظم حالات الانفصال تتم في السنة الأولى من الزواج.
إننا بحاجة لتنمية الوعي بطبيعة الحياة الزوجية، فقد تجد شاباً أو فتاةً على درجة عالية من التعليم، لكهما فقيران جدأ معرفة متطلبات الحياة الزوجية، وهو الذي يجلب علينا أن نعالجه فوراً.