على الرغم من التحسن الكبير في وضع المرأة العربية المعاصرة، ومنافستها الرجل في شتى المجالات، العلمية الأكاديمية والثقافية، ودخولها عالم الاقتصاد والأعمال، ووصولها إلى مراتب وظيفية قيادية، إلا أن ذلك لا يغير في أي حال واقع أن المجتمع العربي ما زال يرى في المرأة نقصاً، على أن المرأة "عورة"، ليس في جسدها وحسب، إنما في وجودها بحد ذاته.
ما يمكن ملاحظته في الأغنيات والأمثال الشعبية، وفي أدعية دارجة، حتى في حديث شباب كثيرين، ما زال يشعر بحرج لمجرد ذكر اسم زوجته أو أخته. حتى غياب، أو الحضور الخجول، للمرأة العربية في مجالات الفن والأدب، على الرغم مما تتمتع به من طاقات انفعالية وعاطفية، تمكنها من التفوق في هذه الميادين، يمكن رده، بشكل أو بآخر، لكون مجتمعنا لم يتصالح مع وجدان المرأة بعد. والقلة من النساء اللواتي أبدعن في الأدب، أو وصلن إلى مراكز سياسية رفيعة، يتم وصفهن بديهياً بالنساء المتحررات، والسؤال هنا مم هن متحررات؟
ظاهرة تهميش المرأة والغائها فرضتها ظروف تاريخية وبيئية قديمة، ظروف المجتمع الصحراوي القاسي، وحروبه الدائمة التي تتخذ شكل غزوات، يتم فيها سبي النساء و"اقتسامهن" بين المنتصرين، شأن الغنائم والمكاسب المادية. ظروف لم تجعل من المرأة الحلقة الأضعف فحسب، بل جعلتها نقطة ضعف يمكن من خلالها اختراق العائلة، أو القبيلة، وفرضت عليها أن تلعب دور التابع المحمي من الرجل الحامي والقائد.
في تلك الحقبة، سطرت قوانين اجتماعية كثيرة، ناظمة ومحددة حياة المرأة، وسكبت في قالب ديني في مراحل لاحقة، عندها صار من المستحيل بمكان تمرير فكرة أو ترويجها، أو قيمة، ليس لها بعد ديني، وتمت صياغة وإيجاد نماذج تعرف المرأة المثالية بما يتناسب مع ما هو مطلوب منها ومتاح لها، الأم الحنون، الزوجة الوفية، المرأة المضحية، وليس القائدة، الشاعرة، الحبيبة، المبدعة، أو امرأة الدين على غرار رجل الدين مثلا.
اليوم، على المرأة العربية أن تتوقف عن الحركة المحكومة بقانون العطالة، ليس عليها سوى أن تمتلك القرار لتقف بوعي، ولتدرك من هي، وأين هي، ولتدرك أن أسوأ القيود هي المصوغة من الذهب. لذلك، من الضروري أن تتخذ المرأة العربية القرار بالانتقال من يسار الصورة إلى يمينها.