يقول نجيب محفوظ: 'آفة حارتنا النسيان'. أما نحن، في ليبيا، فـ'آفة مجتمعنا الإنكار'. لهذا لم تكن التعليقات والردود على تقرير لـ'هنا صوتك'، المستنكرة لوجود ظاهرة التحرش في ليبيا بالغريبة، بل متوقعة جداً من مجتمع يحاول التمسك بفكرته الوردية عن نفسه، كمجتمع متدين ومحافظ لا يمكن أن تحدث فيه حالات تحرش إلا فيما ندر، وإن حدثت، تكون مجرد انتهاكات فردية، لا يمكن أن ترقى لتصبح ظاهرة، لكن الواقع يقول عكس ذلك تماماً.
المرأة الليبية تتعرض للتحرش بشكل يومي في الشوارع والجامعات وأماكن العمل ووسائل النقل العامة، وحتى أثناء قيادتها لسيارتها، وهذا أخطر حالات التحرش لأنه كثيراً ما يتسبب في حوادث سير.
,يتفاوت التحرش الذي تتعرض له المرأة الليبية من تحرش لفظي يبدأ بإطراء، ويتحول للبذاءة شيئاً فشيئاً، إلى تحرش جسدي حينما تسنح الفرصة، مثلما يحدث في الأماكن المزدحمة، ووسائل المواصلات العامة.
وغالباً ما تقابل الليبية التحرش بالصمت، لأن إبداء رد فعل غالباً ما يزيد الأمور سوءاً، خصوصاً أن اللوم سيقع عليها في جميع الأحوال، لهذا تتجاهل الأمر، وكأنه لم يحدث، خوفاً من لومها أو منعها من الخروج لو وصل الأمر لعائلتها، فهي دائما المذنبة حتى لو لم تثبت إدانتها، فلابد أن ملابسها استفزت المتحرش أو حتى مشيتها أو تعابير وجهها، مع أنها لن تسلم من التحرش حتى لو كانت منقبةن ومهما كنت ملابسها محتشمة.
وأما غير المحجّبة، فهي فريسة متاحة دوماً لتحرش الجميع. ينظرون لها كأنها، باختيارها عدم ارتداء الحجاب، تدعوهم صراحةً للتحرش بها. ولربما تعمدوا مضايقتها تشجيعاً لها على الحجاب، الذي حسب زعمهم سيكفّهم عنها.
لكم أتمنى أن تحمل فتاة كاميرا خفية، وتمشي في الشارع ليوم واحد، وتسجل كل ما ستسمعه من تحرش لفظي، وكل ما يحدث لها من مضايقات لن تختلف مهما اختلفت ملابسها، ليعرف الليبي الذي ينكر وجود التحرش في ليبيا، حقيقة ما يجرى، ويتوقف عن الإنكار، ويبحث عن حلول واقعية للمشكلة، لا تتضمن المساس بحرية المرأة الشخصية في اختيار ملابسها، ولا في التنقل بأمان في بلادها.