لم يفتر علماء العلوم الاجتماعية والتربويون على امتداد السنوات والعقود الماضية عن التحذير من إضعاف أولى لبنات المجتمعات الإنسانية وهي العائلة، بل لم يكلوا أو يملوا التحذير من أي محاولة لاستبدال هذه المؤسسة العريقة في عمر البشرية. لم تأت تحذيراتهم من فراغ أو من ميل للنزعة التشاؤمية أو لتحليل متعصب أو منحاز، بل جاءت دراساتهم وأبحاثهم بشكل موضوعي وعلمي ودقيق، واليوم ونحن نعيش كل هذا الوهج الحضاري والتطور نشاهد بما لا يمكن للعين أن تخطئه فداحة الثمن الذي يتم دفعه بسبب كل هذا التسطيح والتجاهل لدور العائلة والضرر الذي أصاب بنية المجتمعات الإنسانية على مختلف أنواعها ومشاربها.
الشواهد كثيرة في عالم اليوم للأثر الفادح الذي أصاب وحدة وتماسك مجتمعات عديدة فرطت في عقد العائلة وبعثرته على مؤسسات اجتماعية جامدة لم تتمكن من سد ولو جزء يسير من فراغ العائلة، ويعلم المتخصصون بهذا الحقل أن هناك مراجعة تتم في عدة دول حول وضع عدة قوانين كانت مجحفة بل ضد السلطة العائلية مع الأبناء، وبعد عقود تم اكتشاف أن هناك أثراً بالغاً وكبيراً ليس على الأفراد وإنما على مجتمعات بأسرها حيث ساد التفكك وباتت علامات الذاتية والأنانية والقسوة ماثلة، وتحول المجتمع لما يشبه الغابة، وهؤلاء هم نتاج التربية النمطية القاسية في تلك المؤسسات الاجتماعية وفق المفهوم الغربي.
الضغط على الأبوين والحد من صلاحياتهما وطريقة تعاملهما مع أبنائهما كل ذلك أفرز هو الآخر عدم فهم الدور الذي يفترض أن يقوم به كل فرد في المجتمع. لا أريد أن يفهم من كلماتي رفض للدور الكبير الذي تقوم به المؤسسات الاجتماعية على مختلف مهامها من رعاية الأحداث إلى احتضان الأيتام والفقراء ودعم المسنين وغيرها من مهام تذكر، فيشكر جميع القائمين على هذا العمل الحيوي المهم في أي بقعة في العالم، إنما الذي أشير له هو الاستفادة من تجربة دول باتت الاضطرابات والعداوات فيها شيئاً مألوفاً بسبب التدخل السافر في العلاقات الأسرية وفرض قوانين تجرم الأب أو الأم عند تربية وتأديب أطفالهما. هذا النموذج لسنا بحاجة لاستيراده وتطبيقه، لكن المعضلة الحقيقية أن هناك في عالمنا العربي من أعجب بمثل تلك النظريات التربوية وعمل ويعمل على تطبيقها وإن أخذ فقط أجزاء يسيرة، إلا أنه يُخشى أن يتم استدعاء النموذج بأسره، وهنا مكمن الخطورة. فلنوجد مفاهيمنا وطرق رعايتنا وفق عاداتنا وتقاليدنا وديننا الحنيف