احس بمشاعر غريبه هذا المساء ،، كل يوم يغيب الثرى وجوها مألوفة لي ، اناس حضرت حفل زفافهم ، واخرون شهدت ولادتهم ، واصدقاء كانت لي معهم جلسات وضحكات وآمال تقاسمناها سويا .
يقيني انني عشت زمنا طويلا ، اكثر من المكتوب في شهادة ميلادي ،،
وبرغم انني توقفت منذ زمن عن استرجاع صور الماضي والحنين الى ذكرياته ، الا انني لا استطيع منع نفسي من ممارسة الحنين لزمن جميل مضى ولن يعود . زمن كنت فيه اريح رأسي المتعب على حجر امي .. واتسابق فيه مع ابي في حفظ الابيات الشعريه ..
احن الى زمن كان فيه الحجاب بيِن ،، والسفور بيِن ،، وليس بينهما امور متشابهات ،،
زمن كان فيه موظف البلديه يحرر مخالفه لمجرد رؤيته اثار مياه منسكبة خارج عتبة بيت .
زمن كنا فيه صغارا نتلقى توبيخا شديدا من ذوينا ، اذا ضبطنا ونحن ندوس بدون قصد على جريدة او ورقة من كتاب ، فالحرف العربي في زماننا كان مقدسا .
احن الى زمن لم اكن فيه بحاجة الى اجراء ترتيبات مسبقة و مواعيد مقترحه ومفاوضات لزيارة صديقة اتوق شوقا الى رؤيتها .
احن الى زمن كانت البساطة فيه عنوانا واسلوبا للحياه ،، زمن كان فيه الاباء والامهات غير مضطرين للصبر على وقاحات ابنائهم المراهقين ، متوهمين انهم مقصرون في فهم وادراك اساليب التربية الحديثه .
احن الى زمن كنا نردد فيه مقولة القاهره تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ ،، كانت المدارس اقل ازدحاما والمعلمون اكثر وفاءأ للعلم .
احن الى زمن كنت اسافر فيه بين سطور كتاب ساعتين متواصلتين او اكثر دون ان يقطع سفري واجب منزلي سخيف او فض اشتباك بين اطفالي .
لم يكن الماضي كله مثاليا وجميلا ، لكنه كان واضحا غير ملتبس .
رائحة الماضي ماثلة في بخار لذيذ يتصاعد من رغيف خبز خرج للتو من الفرن ،، ماثلة في تلك الرائحة التي لا وصف لها حين يلامس المطر التراب اول الشتاء. رائحة الماضي حاضرة في هرج وضحكات الطلاب وهم يتوجهون للمدرسة في بداية العام الدراسي ،، في تسبيحات المصلين انتظارا لآذان الفجر ،، في شواطىء بيضاء ساحره داعبت قدمي رمالها .
هل راودكم شعور غريب ، وانتم تشاهدون فيلما وثائقيا قديما ؟ بعض الاشخاص في تلك الافلام يحدقون في عين الكاميرا للحظه ثم يلوحون بايديهم وكأنهم يقولون ، نحن ايضا كنا على هذه الارض ذات زمن غابر ، انه اسلوب الفاني في محاولته الدائبة لنيل الخلود .
هل كنت هناك ذات صباح او مساء ؟؟ وهل صحيح ان كل ما مضى من حياتنا ما هو الا حلم ، وما بقي ان هي الا اماني ؟؟