جلس محمد على مائدة الطعام مع أسرته شارد الذهن، كان بجسده مع أهله أثناء تناولهم طعام الغداء ،يترنم على صدى صوت الخروف الذي ملأ الحي عند الجيرات ، ولاحظ الوالد شرود طفله ، فسأله : ما بالك يا محمد لا تأكل الطعام الذي أمامك مثل أخوتك؟ ما الذي يشغل بالك ؟ فرد محمد بعفوية وصوت خافت : أبي هل ستشتري لنا خاروفاً للعيد مثل باقي الجيران؟ صمت الوالد قليلاً وأومأ رأسه وصمت قليلا ثم أجاب بهدوء (إن شاء الله) بابا ،لكنه في الوقت ذاته كان يشعر بغصة عميقة في قلبه ، وألم يعتصره من إحساسه بالتقصير إتجاه أسرته ، ذلك أنه لا يملك المال الكافي لشراء خاروف لهم .
ودون أن يشعر أولاده بحزنه ، خرج من غرفة الطعام بهدوء ، وأغلق غرفته عليه يحدث نفسه بفكر بما طريقة يحضر فيها لأولاده خاروفا طالما تمنوه ليلهو به تلبية لطلب محمد ، كان والقلق والتوتر واضحين في ملامحه ، فكيف لأطفاله أن يقتنعوا بأن وضعه المالي لا يسمح له بشراء خاروفا للعيد ؟! وأن راتبه الذي يتقاضاه لا يكفي لقوت الأيام الباقية من الشهر ؛ بالكاد تكفي لشراء الطعام الذي بالكاد يكفيهم الخبز والضروريات طوال الشهر ، بقيت الأفكار تسيطر في عقله ، لعله يجد منفداً يستطيع فيه شراء خاروفا ليفرح أولاده به ،كان هاجسه الوحيد السعي لتحقيق السعادة لأطفاله فنظر إلى ساعته الثمينة التي أحضرتها له والدته هدية له بعد ادائها فريضة الحج ، قال بنفسه :"وجدتها "سأبيعها لأشتري بها لوازم العيد ، والتي من أهمها الخاروف الذي جعل محمداً شارداً طوال فترة الغداء ، وبعد أن وجد الحل انفرجت أساريره ، وغاب عنه الوجوم في وجهه وارتدى ملابسه مسرعا استعداداً للخروج من المنزل إلى السوق لينفذ وعده و ما استدل عليه الستار من حيرة بعد طول تفكير ، وأخبر محمد بثقة أنه سيذهب اليوم لشراء الخاروف.
حين خرج من البيت لم تتوقف عيناه من إمعان النظر للساعة الغالية العزيزة على قلبه،فقد كان يعتبرها أثمن هدية حصل عليها بحياته ، وهى الذكرى الأجمل التي يحملها في قلبه ولكنه إستطرد وعاد يحدث نفسه : أن المرحومة أمي ستكون سعيدة حين تعرف أني لم أفرط بهديتها إلا للضرورة ولتحقيق هدف سامٍ ،سأكسب من ورائه رضا الله، وسيعم الفرح ببيتنا ، والسعادة ستغمر قلب محمد وأخوته ليكونوا سعداء مثل: أطفال الجيران المحتفلين بالعيد ، وبخاروف العيد الذي يعتبر الطقس الأجمل بين طقوس العيد .
انطلق إلى السوق ، وباع الساعة التي كانت معه، وذهب إلى سوق الخراف وبدأ يبحث عن خاروف صغير ضمن إمكانيات المبلغ الذي يملكه، فبحث بين القطيع الذي في السوق يتسائل هذا سمين هذا صغير لا هذا أفضل ، وأخيراً عثر على طلبه، ودفع ثمنه وحمله انطلق به نحو المنزل حين وصل كم كانت الفرحة كبيرةً ،فقد استقبله أولاده على مشارف البيت بفرح غامر و أسرعوا نحو الخاروف يحتضنونه ويلهون به ، وأحضروا العشب له ، وبقي محمد مع أخوته يلهو به كغيرهم من الأطفال، وها هم ينتظرون إطلالة يوم العيد، ليذبحوه ، ويضحوا به ويوزعوا لحمه على الفقراء والمساكين والمحتاجين ، عاشوا لحظات الفرح بسعادة غامرة ،وأدركوا أن فرحهم نابع من حرص أبيهم عليهم ،وتضحيته التي تستحق التقدير من قبلهم التي كان ثمنها التصرف بأغلى هدية لديه كي يسعدهم في العيد.