يقال إنه قبل قرون ماضية ضاربة العمق في الزمن كانت المرأة تتمتع بقوامة مطلقة ـ إذا صح التعبيرـ على الرجل، وأن ميزان القوى كان مختلفاً تماماً عما هو عليه في عصرنا الحاضر، ومن ملامح هذا الاختلاف أن الرجل كان هو من يقبع في المنزل في انتظار الزوجة العاملة في زراعة الأرض، وخلال انتظاره يقوم برعاية الأطفال ويكنس الكوخ ويطبخ ويغسل الصحون مجازاً لأنه في ذلك العصر السحيق لم تكن هناك أطباق صينية أو غير صينية. كانت المرأة منتجة قوية، هي من تعمل وتزرع الأرض وتجلب المحصول والثمار لمنزلها فتطعم زوجها وأطفالها.
وغني عن القول حدوث انقلاب منذ أمد طويل في الأدوار وتبدل في المهام، ومنذ ذلك الحين يقاوم الرجل أي محاولة يمكن أن تعيد الأمور لما كانت عليه في ذلك العصر الغابر، بل البعض يصنف دعوات حقوق المرأة بأنها محاولات للعودة لتلك الحقبة التي كانت تهيمن فيها المرأة على الرجل.
قبل أيام كانت إحدى الصديقات تحدثني وتشكو حالها مع المطبخ خصوصاً خلال هذا الشهر الفضيل. وفي الحقيقة كثيرات يعانين خصوصاً عندما تفر العاملة المنزلية أو تطلب أن تسافر إلى أسرتها لتصوم رمضان، والعيد مع ذويها؛ هنا تكون المصيبة مضاعفة، فالمرأة اليوم موظفة وأيضاً ترعى وتربي الأطفال وتعد طعام الإفطار وتجهز السحور وتغسل الصحون والأطباق، بينما الزوج عندما يحضر من عمله ينام حتى المغرب، ثم يتناول الفطور الشهي الذي لا يعلم الجهد الكبير الذي بذلته الزوجة فيه، فلا يسمعها حتى كلمة شكر أو مديح لطبخها، بل إنه يغادر ليلتقي بزملائه وأصدقائه، ويعود لتناول السحور ثم النوم، ليبدأ نهاراً جديداً محملاً بالنشاط والحيوية، بينما زوجته تبدأ نهاراً جديداً من العمل المتواصل الذي لا يقطعه إلا ساعات النوم.
معركة المرأة في رمضان ليست مع انتهاز الفرصة لتلاوة القرآن والصلاة وذكر الله فحسب، بل الطبخ الذي يستنزف وقتها وطاقتها وجهدها. على شبكة الإنترنت ومن خلال برامج التواصل عبر الهواتف الذكية تم تداول مقاطع فيديوهات انتشرت لفتيات كن، بسخرية، يتساءلن لماذا يتمتع الشقيق الصغير بالطعام والخدمة من شقيقته ولا يقدم أي جهد في المطبخ؟ والسبب واضح، فالعادات والتقاليد تمنحه حصانة لكونه ذكراً.
إن علاج مثل هذه المعضلة ليس بعودة المرأة لتقوم بدور الرجل، ولكن بالتعاون والاحترام؛ ولنتذكر أن رسول الله كان في خدمة أهل بيته، كما روي عنه صلى الله عليه وسلم.