حينما تحدثنا عن تصنيف الحروفوفي العربية في مجموعات وزمـر ، قلنا أن لحرف الشين عند الاولين مجموعة خاصة به ، فهو حرف التفشي .
( ش ) هذا الحرف يدخل في كثير من اللغات السامة – وليس العربية وحدها - على بعض الألفاظ مفيدا المبالغة ، ومن أدلّـة ذلك :
قلب : مع الشين تصبح ( شقلب ) ، وتفيد المبالغة بالقلب.
شحط : أي جرَّ ، وعند المبالغة الشينية تصبح ( شحشط )، ومثلها شربك ، وأصلها الجذر ( ر ب ك )من الارباك ، والحيرة والتردد ، وأضيفت البادئـة ( ش) لتزيد الأمــر حيرةً وارباكاً ، مبالغة ،،، كذلك ( شـحبر ) ،( شلبط ) ، شعبث ، شـهلل ، شحبر ، شخبط ، شلقط ، شرشح ، شرمط .
وتضاف الـ(شين \ ش ) في صيغة النفي في كثير من لهجات العرب :
ما أكلت >>>> ما أكلتش
ما رحت >>>> ما رحتـش
ما سافرْتُ >>>> ما سا فرتش ، وهكذا ......
تضاف الشين ( ش) لتأكيد النفي ، وهذا لا يزال مستعملا في اللهجة الحورانية وبعض الحجازية واليمنية والخليجية والفلسطينية وبعض اللهجات الافريقية العربية خاصة موريتانيا والسنجال ، ونستشهد بالحورانية غالبا كونها أقرب اللهجات العربية إلى العربية القرشية الفصحـى ، وذلك بحسب استقرائي المتواضع .
كذلك نـلاحظ في اللغات السامية القديـمــة :
الآلهــة " عشـتار " رمز الخصب والنماء ، ربَّـة الخصوبة التي تشجع على التناسل والتكاثــر والزواج ‘ فأصل اسمها هو جذر سامي ثلاثي ( ع ت ر ) وإنما جاءت الشين للمبالغة ، ولاحظوا معي بالعربية :
الجذر الثلاثي ( ع ت ر ) : العتر اشتداد الرمح وغيره كالقضيب الذكري ، وإنعاظ الذكر عتره ، و( عُـتُـر) فروج منعظة جمع عاتر وعتور ، والعتيرة شاة تذبح في رجب للآلهة . ومثل ( عتر) أيضا ( عرت\ ع ر ت ) :صلابة وامتلاء واضطراب وامتلاء بالحركة ، كتلك التي ترافق العضو المذكر ، عضو التناسل والانجاب .
ونسل الرجل وذريته ورهطه وعشيرته الأدنون ( عترة) بكسر العين .
الرتع ( ر ت ع ) الاكل والشرب في حالة الخصب والسعة وارتعة الاتساع في الخصب .
الترع ( ت ر ع ) : فالترع اسراع للشر وامتلاء والترعة مفتاح الماء وهو مفتاح الخصوبة والعطاء .
التعر ( تعر \\منع)وجرح تعّـار لا يرقأ ينزف والتعر اشتعال الحرب وشدة فوعتها ، بينما هجر العرب الجذر ( ر ع ت ) !
لاحظ الخصوبة والاقتراب من التناسل والانجاب في جميع جذور العائلة الثلاثية ، عائلة ( التاء والعين والراء ) وهي عائلة عشتار بعد تحليتها بحرف الشين !
ومن الجدير بالذكر أن الشين في اللغة الأكادية السامية الشرقية تصبح سينا وهي لغة بلاد الرافدين القديمة ، بل ولغة توافق بعض لهجات العرب ، ولنتذكر أن بعض العرب يجعلون " الكشكشـة" " كسكسـةً" ، وهي لغة تخلو من صوت الهاء ، مما دفعهم في الأغلب الأعم للاستعاضـة عنه بصوت الشين ، فصار ضمير المؤنث :
هـي >>>> شي ، وهو نطق أكادي مخالف لباقي الساميّيـن .
أما اللغة الأمهريــة فتوافق على ذلك لكن بإبدال الشين إلى سين :
هـي >>>> شــي >>>> ســي
وهذه الظاهرة لها مظهر معكوس ، وهو تحويل الشين الى هاء ، والشين صوت أصلي للسين العربية والمتأخرة .. مثلا :
صوت 5 خمس العربي >>>> خمش عند أغلب اللغات السامية . ، ما عدا الأمهرية ، فالشين تصير هاءً ، و
خمش >>>> خمــه ، كذلك :
ســــت >>>> شـــت >>>>> هت ( باللغة الامهرية )
ســبع >>>> شــبع >>>> هـبـــا ( بالامهرية )
ولا ننسَ أن السين والشين في اللغة العبرية هما حرف واحد ..
ولنعد الآن الى العربية وحرف التفشّــي ( الشين \ ش )لتأكيد ما سبق :
مبرطش : هو الدلاّ ل ، ( الساعي بين البائع والمشتري \السمسار ) وكان سيدنا عمر دلالاً في الجاهلية ، ولربما لفظها بعضهم ( مبرطس)بالسين .
برقش : نقش الشيء بألوان شتى وأصله من أبي براقش ، وهو طائــر يتلوّن ألوانــا متعددة !!
ولكن ألا تلاحظ معي أنه أقرب للجذر ( ب ر ق ) التي تشير إلى تردد البصر وتحيّـره وأحدَّ والشين للمبالغة .
مثال آخــر ( بَـرِغ )زنة ( فرح) أي تنعّـم ، ويقول العرب للمريض إذا عوفي وبرأ وأبل من مرضـه ( أَبْـرَغـشّ ) فالشين للمبالغة ، أشارت إلى أنه قد عوفي تماما فقام ومشــى .
فـ( برغ ) : شـفي وتنعّـم ، أما ( أبرغش ) فوصَـل في التنعّـم والشفاء منتهــاه حتى قام ومشى ، وهذا الوصف ببركات الشين !
الحجـر : الإتســاع ، ومنه ما تحتـفـرهُ السباع والهـوام والزواحـف ، والجّـحْـر الغار البعيد قـعـره ، والحجرمة سـوء الخلق ، والآن تابع معي :
الجحمرش : عجوز كبيرة ســمجــة
جَـحْـرَش : غليظ مجتمع الخلْـق .
حجمش ، وحجنش، وكأن الشين في ( جحنش ، حجمش ، جحمرش)للمبالغة أيضا.
العفل : شيء يخرج من قُـبُـل المرأة ، وهو في النساء كالأدرة للرجال ( ما يسمّيه العوام " القُـرّ " ) وهو يقلل متعة المرأة عند النكاح ... ولنقارن العفل مع ( العفنشل والعفشليل ) وهو رجل جافي ثقيل ، قليل البأس قد يكون مصابا بالضعف الجنسي ، والعجوز المسترخية اللحم تُـدعـى أيضا " عفشليل " .
كل ذلك يؤكــد أن الشين وردت للمبالغة ..
-------------------حاشــيــة :
توجد في حوران قرب مدينتيْ نوى وجاسم ، مدينة قديمة من خرائب باشان ( حوران ) اسمها " عشترة " ، وعند بحثي حول المنطقة وما جاء فيها ، رأيتُ في في الميثولوجيا السامية التالي : تعرض عشترة نفسها على جلجامش الملك ، ملك أور ، فيرفضها بل وشتمهاأنك لم تخلصي لأحد من عشاقك ! وهي فكرة بدأت لطرح مشروع الزوجة الواحدة ، وصار بعدها يتم اغراق الخائن لزوجه بالنهـر ( نقلة من الزواج العشوائي الى الزواج العائلي المنظم ) وانتقل الامر الى( أو جاريتـا ) وغيرها في طقوس ترمز الى وحدة الرب" إيــل " بنفي الزواج العشتاري العشوائي !
يقول بعض الباحثين في الميثولوجيا أن عشتار ترمز للزواج العشوائي( انجاب بلا ضوابط ) بينما إيــل ترمز للزواج الأسري المنضبط ، ليس بقصد الانجاب فقط بل بقصد تكوين عائلة وتنظيم المجتمع ...
إذن " عشتار " أو " عشترة " كلمة مؤنثة وبالتالي فالنسب فيها أمومـي والأب غير معروف ، بينما " إيل "مذكر والنسب أبوي ، وأبو الطفل المولود يكون معروفا ‘ وبالتالي هناك قوانين ونُـظُـم وأســرة ....
وختام حديثنا الصلاة والسلام على أشرف الرسل والنبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه وأهله أجمعين