ركز بحث علمي قام به الدكتور خالد الفرم رئيس قسم الوسائط المتعددة في كلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود، على واقع الخطاب السعودي على “تويتر” حيال قضية قيادة المرأة للسيارة، موضحا أن شبكات التواصل الاجتماعي بأشكالها المتعددة إنما هي وسيلة على الأقل لإعادة اختبار الثقافة السعودية، من خلال النقاش حول القضايا المختلفة، للتحول بعد ذلك إلى مرحلة معينة من الكثافة والتركيز على خطاب واضح.
كشفت دراسة الدكتور خالد الفرم أن الشبكة العنكبوتة باتت أداة قوية ومؤثرة للتغيير الاجتماعي، عبر اختبار الثقافة المحلية ووضعها في إطار النقاش الحر، مما أدى إلى انبثاق خطاب يسعى إلى التغيير الثقافي والاجتماعي داخل أي مجتمع، وهو ما يجابه في الغالب بخطاب مضاد يرى عدم الخروج عن الأطر الحاكمة للثقافة المحلية التي تشكل معيار الحكم على الأشياء.
وبين الدكتور خالد الفرم أنه لا يستهدف مناقشة القضية في حد ذاتها، ولا التعاطي مع أبعاد قبولها أو رفضها الاجتماعيين، بقدر ما يهدف إلى التعرف على اتجاهات الخطاب السعودي نحوها كخطاب جدلي ذي طابع ثقافي يتم في بيئة اتصالية تتسم بالحرية، وأن يختبر محددات هذا الخطاب وعلاقاته البينية للتعرف على ديناميات هذا الخطاب القائم على التفاعل والهادف إلى التغيير.
وتوصلت الدراسة إلى أن معظم المشاركات كانت من داخل المملكة، وجاء الذكور الأكثر مشاركة في هشتاغات قيادة المرأة للسيارة بنسبة 68.6 بالمئة، كما كانت النسبة الأكبر من هؤلاء المشاركين من الأشخاص العاديين بنسبة 88.1 بالمئة، في حين جاءت مشاركات الشخصيات العامة بنسبة 4.1 بالمئة والذين كانوا عبارة عن مجموعة من المشاهير بنسبة 58.5 بالمئة، وجاءت نسبة فئة الكتاب الأقل حيث بلغت 31.7 بالمئة، وذلك للتعبير عن آرائهم مع أو ضد قيادة المرأة للسيارة.
وأشارت الدراسة إلى أن المغردين استخدموا إطار السخرية بشكلٍ مكثف عن باقي الأطر وذلك بنسبة 35.1 بالمئة من إجمالي عدد التغريدات محل الدراسة، تلاه إطار الهجوم بنسبة 19.7 بالمئة. أما إطار العرض الموضوعي فقد جاء بنسبة 12 بالمئة في حين جاء كل من إطاري الاستدلال والمسؤولية كأقل الأطر استخداماً بنسبتي 4.7 بالمئة و3.5 بالمئة على الترتيب.
ووضحت الدراسة أنه تم الاعتماد على أسلوب الفكاهة كأكثر الاستمالات استخداماً بنسبة 33.1 بالمئة، في حين جاءت فكرة الالتزام بالعادات والتقاليد في المرتبة الثانية بنسبة 16.6 بالمئة، وأما التغريدات التي اعتمد أصحابها على الاستناد إلى فكرة عدم أهمية الموضوع فقد جاءت كأقل الاستمالات استخداماً وذلك بنسبة 3.7 بالمئة.
وكشفت الدراسة أن الاستدلالات المستخدمة في عرض وجهة النظر تصدرها الاستهزاء بنسبة 36.8 بالمئة وهي نسبة كبيرة تم استخدامها في المعالجات الساخرة، أما باقي الاستدلالات والبراهين فقد جاءت بنسب ضئيلة، حيث جاء النقل عن المواقع الأخرى بنسبة 7.5 بالمئة، تلاه استخدام الأدلة الشرعية للاستدلال بنسبة 4.7 بالمئة ثم تصريحات المسؤولين بنسبة 4.1 بالمئة في حين جاءت تصريحات شهود العيان كأقل البراهين استخداماً بنسبة 1.3 بالمئة فقط من إجمالي عدد التغريدات.
وذكر الدكتور خالد الفرم أن القضية موضوع ثقافي بالأساس، فهي لا تستند إلى أصل من أصول الدين الإسلامي بقدر ما ترتبط بعادات وتقاليد المجتمع السعودي التي تشكل جزءاً من الثقافة السعودية، وفي الوقت ذاته فإن السعي إلى إحداث حالة من التغيير الثقافي في هذه القضية يتسق مع معطيات واقع الثقافة المعولمة المرتبطة بالحقوق المدنية والمساواة وتمكين المرأة، الأمر الذي يجعل هذه القضية مثالية من خلال تحليل الخطاب السعودي على تويتر حيالها.
كما أضاف أن الباحث لا يهتم بتأييد أو رفض هذه القضية، بل يرتكز على ما سبق إيراده من تحديد ملامح خطاب القبول والرفض، وطبيعة هذا الخطاب وتوجهاته وديناميات حركته، والتعرف على طرق تفاعل الأفراد عبر تويتر كمنصة اتصال اجتماعية تكنولوجية متطورة للتعبير عن رغباتهم في التغيير الاجتماعي.
وبين في السياق ذاته أن الجدالات التي تتم عبر تويتر وغيرها من الشبكات الاجتماعية لا يمكن النظر إليها باعتبارها جدالات فردية أو حتى جماعية، كما لا يمكن النظر إليها فقط باعتبارها ثورة اتصالية جديدة، إنما هي في الواقع جدالات نامية تتشكل عبر الزمن لتشكل خطاباً مستقراً داخل المجتمع، ويقوم هذا الخطاب بدور رئيس في عمليات التغيير الاجتماعي.
كما أشار الباحث إلى أن الإشكالية الرئيسة في هذا الموضوع تكمن في أن هذه الجدالات قد تتشكل ممن ينتمون إلى المجتمع الواحد أو خليط من المواطنين وغير المواطنين، الأمر الذي يجعل عمليات التغيير الاجتماعي لا تخضع لمرجعية ثقافية واحدة يمكن النظر إليها باعتبارها في كل الأحوال وتحت كل الظروف تخدم الوطن.