انخفضت معدلات التحرش الجنسي الجماعي في مصر خلال عيد الأضحى الجاري، لاسيما في ظل إنتشار الشرطة بكثافة في المناطق المزدحمة، بالإضافة إلى المتطوعين ضمن الحركات الناشطة في مواجهة الظاهرة، وساهمت التهديدات بإحداث تفجيرات أثناء العيد في عدم خروج المصريين للشوارع بالشكل المعتاد، ما ساهم في انخفاض الزحام، الذي تعتبر بيئة خصبة للمتحرشين.
قالت تقارير لحركات مناهضة التحرش الجنسي في مصر، إن معدلات هذا الجريمة انخفضت بشكل ملحوظ خلال عيد الأضحى وأرجعت ذلك إلى الإنتشار الكثيف لشرطة مكافحة العنف ضد المرأة، فضلاً على خوف المصريين من الخروج للمتنزهات، بسبب التهديدات الإرهابية.
وأوضح تقرير لحركة "شفت تحرش"، أن "عيد الأضحى يأتي وسط ترقب ملحوظ من المواطنين ومؤسسات الدولة على حد سواء بسبب التهديدات الأمنية الأخيرة التي أطلقتها عناصر إرهابيه تتوعد باستهداف المنشآت والأفراد والقوات الأمنية، بالإضافة إلى العادات الدينية والاجتماعية التي تصاحب عيد الأضحى، مما تسبب في انخفاض تعداد المواطنين والمواطنات في الأماكن العامة والتنزهات وبخاصة محيط وسط البلد الذى شهد هدوء ملحوظ حتي الساعة الثالثة ظهراً، وأخذ تعداد المواطنين يكثر نسبياً عن الصباح في الساعات الأولي بعد غروب الشمس".
وأضاف التقرير أن منطقة وسط القاهرة شهدت "انتشاراً واضحاً لعناصر الشرطة على اختلاف القطاعات التابعة لوزارة الداخلية، بالإضافة إلى وجود عناصر من قوات الجيش بمركباتهم في محيط ميدان التحرير، ومحيط ميدان طلعت حرب".
ولفت إلى أن "قلة وقائع التحرش، وانحصارها في التحرشات اللفظية، ليس مؤشراً على انخفاض الجريمة أو ردع مرتكبيها، بل يدلل على أن التواجد الأمني الملحوظ في محيط وسط العاصمة ساهم في تقليل ارتكاب الجريمة، إلا أنه لم يمنع حدوثها في الحدائق العامة والساحات ليس بالقاهرة وحسب بل في عموم المحافظات".
وأشار التقرير إلى أن "انخفاض الجرائم في محيط وسط البلد خلال أول أيام عيد الأضحى لا يعنى على الإطلاق انحصار الجريمة أو عدم حدوثها في عموم مصر، ونشدد على أن النطاق الجغرافي لعمل المبادرة لم يشمل سوي محيط منطقة وسط البلد بالقاهرة، وحديقة صنعاء بمحافظة كفر الشيخ بالدلتا".
ورصدت المبادرة 20 واقعة تحرش لفظي وملاحقة، وقالت في تقريرها: "المتطوعات والمتطوعين تواجدوا ميدانيا منذ الساعة 12 ظهراً، وحتي الساعة 10 مساء، وتمكنوا من التدخل في عشرين واقعة تحرش لفظي وملاحقات، والتدخل في منع واقعة تحرش جسدي واحدة فقط".
ورصدت مبادرة "وطن بلا تحرش"، 21 واقعة تحرش جسدي، مشيرة إلى أنها لم تستطع إحصاء وقائع التحرش اللفظي، نظراً لكثرتها. وقالت حركة "التحرش بالمتحرشين" 15 حالة تحرش جنسي جسدي، و50 حالة تحرش لفظي. فيما قالت حركة "إمسك متحرش" إنها وثقت 6 حالات تحرش جسدي بمنطقة كورنيش النيل.
وفي محافظة الإسكندرية وقعت 42 حالة تحرش في اليوم الأول للعيد الأضحى، حسبما ورد في محاضر مديرية الأمن. وقالت حركة "مكافحة التحرش"، إنها رصدت 13 حالة تحرش لفظي، وحالتي تحرش جسدي.
وتنتشر جريمة التحرش الجنسي في مصر على نطاق واسع، وقال تقرير للمركز المصري للدفاع عن حقوق المرأة إن نحو 82% من المصريات يتعرضن للتحرش الجنسي. ورغم تحذير تقارير وزارة الخارجية الأميركية ودول أوروبية مواطناتها من انتشار الجريمة في مصر طوال السنوات العشر الماضية، إلا أن الحكومات المتعاقبة منذ نهاية عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، ثم عهد المشير حسين طنطاوي، ثم حكومة الإخوان بقيادة الرئيس السابق محمد مرسي، رفضت الإعتراف بانتشار تلك الجريمة.
وقالت مي سعيد، متطوعة في مناهضة التحرش، إن هناك إنخفاضا واضحا في ظاهرة التحرش الجنسي، مشيرة إلى أن السبب يرجع إلى قلة الزحام أثناء العيد. وأضافت أن التهديدات الإرهابية التي أطلقها تنظيم أنصار بيت المقدس بإحداث تفجيرات، بالإضافة إلى إنشغال المصريين بذبح الأضاحي والمعايدة على الأهل والأقارب في اليوم الأول وراء إنخفاض معدلات الجريمة. ولفتت إلى أن تواجد شرطة مكافحة العنف ضد المرأة في الأماكن المزدحمة شكل رادعاً نفسياً للمتحرشين.
انتقاد للشرطة
وانتقدت تصريحات بعض مسؤولي جهاز الشرطة الذين يرجعون ظاهرة التحرش إلى إرتداء النساء ملابس غير محتشمة، مشيرة إلى أن هذه التصريحات من شأنها تحميل الضحية المسؤولية عن العنف الذي يمارس ضدها، وأوضحت أن التحرش لا يرتبط بملابس المرأة، بل بسلوك المتحرش نفسه، ولفتت إلى أن ضحية التحرش الجماعي بميدان التحرير أثناء حفل تنصيب السيسي، لم تكن ترتدي ملابس فاضحة، بل كانت ترتدي ملابس محتشمة وفضفاضة.
اغتصاب جماعي
اتخذت جريمة التحرش الجنسي في مصر أشكالاً عنيفة جداً، وتحولت إلى حفلات للإغتصاب الجماعي، في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. وكانت ل"إيلاف" قصة السبق في تفجير قضية عمليات الإغتصاب الجماعي في ميدان التحرير أثناء إحياء ذكرى ثورة 25 يناير 2013، ورصدت في تقارير لها وقوع 13 عملية إغتصاب جماعي في ميدان التحرير.
ووقعت أقسى حالات الإغتصاب الجماعي بميدان التحرير أثناء الإحتفال بتنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي الرئاسة في نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي، وتعرضت سيدة للإعتداءات الجنسية الجماعية، والطعن بالسكاكين، وتعريتها تماماً، وأضطر السيسي إلى زيارة الضحية في مستشفى عسكري وقدم لها إعتذاراً صريحاً عن الواقعة.
قوة شرطية لحماية النساء
أثارت هذه الواقعة صدمة في الأوساط المصرية والدولية، وقرر السيسي تشكيل قوة شرطية لحماية النساء من العنف، ونزلت هذه القوة في مناطق الإزحام بالقاهرة أثناء عيد الأضحى، ولاسيما مناطق وسط القاهرة التي تنتشر فيها دور العرض السينمائي، وكورنيش النيل، بالإضافة إلى الحدائق العامة، مثل "حديقة الحيوان"، "الأورمان"، "الجزيرة"، "الحرية".
وتضطر بعض الفتيات في مصر إلى استخدام وسائل الدفاع عن النفس أثناء الخروج للشارع أو المتنزهات، مثل الصاعق الكهربائي، أو الفرجار، وشهدت "إيلاف" واقعة تعرض فتاة للتحرش أمام مركز تسوق "كايرو مول" بشارع الهرم، واستخدمت الصاعق الكهربائي في الدفاع عن نفسها، وقالت الفتاة ل"إيلاف" إن مجموعة من الشباب تعرضوا لها هي وصديقتها أثناء الخروج من المول، مشيرة إلى أن الشباب أمطروهن بوابل من الألفاظ الجنسية، وحاول أحدهم الإحتكاك بها جنسياُ، ولفتت إلى أنها أخرجت الصاعق من حقيبة يدها، وضربت الشاب في صدره، فوقع على الأرض، وجرى أصدقاؤه، بينما تجمع بعض المواطنين، وبعضهم أمطره بالشتائم.
ورغم أن جريمة التحرش الجنسي في مصر تطال الجميع كل الاناث بغض النظر عن الملابس في آن واحد، بل تطال الأطفال أيضاً، إلا أن بعض مسؤولي جهاز الشرطة يصرون على تحميل النساء جزء من المسؤولية، وانتقدت مبادرة "شفت تحرش"، تصريح اللواء إيهاب مخلوف، مدير الإدارة العامة لشرطة مكافحة العنف ضد المرأة، الذي يوجّه فيه رسالة إلى الفتيات قائلا: "ابتعدوا عن اللبس الصارخ الذى يثير حماس الشباب"، وقالت في تقريرها عن التحرش في عيد الأضحى، "إن موقف المبادرة يتخطى مجرد الاستياء لهذا التصريح، مطالبة بمساءلة مخلوف، معتبرة تصريحاته بمثابة "عنف ثقافي ضد المرأة، فالمرأة ليست مسؤولة عن صلاح المجتمع بمفردها".
وأضافت: "سئمنا ومللنا من متابعة المسؤولين وتصريحاتهم التي تترك الجريمة وتتحدث عن سلوك المجني عليه دون وعي، ودون إدراك للحق الشخصي في اختيار الملبس الملائم وفق ما يراه صاحب الملبس"، مشيرة إلى أن تصريحات مخلوف تؤشر على "إهمال في تنفيذ القانون وضرب من العبث يغازل المتحرشين ويبرر إجرامهم".
ودعت المبادرة وزارة الداخلية المصرية إلى "العمل على تدريب وتأهيل كافة العاملين في القطاعات الأمنية المتعلقة بالتعامل مع النساء والفتيات على معايير المساواة بين الجنسيين، وسمات النوع الاجتماعي، حتي يستطيعون تقديم خدماتهم للناجيات من العنف بشكل أكثر فاعليه وتأثير".