تروي 20 لاجئة سورية في لبنان بجرأة لافتة حكاياتهن مع الاستبداد والحرب والتهجير وفقدان الأحبة، في عرض مسرحي يتخذ من شخصية "انتيغون" اليونانية إطارا لتحريضهن على البوح بقصصهن المؤلمة، وتحدي الخوف والتهميش، في ظل الظروف القاسية والمضايقات التي يعشيها اللاجئ السوري في لبنان.
وتتوالى شهادات مؤثرة لا تخلو من الظرف في هذا العرض المسرحي المبتكر الذي يمتد لساعة ونصف، ويقدم في مسرح المدينة ببيروت لثلاث أمسيات اعتبارا من اليوم، حيث تدلي بها شابات وسيدات يعتلين خشبة المسرح للمرة الأولى في حبكة مسرحية تمت بإشراف مجموعة من المسرحيين والسينمائيين السوريين المقيمين بين بيروت ولندن.
وقال كاتب السيناريو محمد العطار (33 عاما): "نحن نكلل رحلة مميزة عمرها أشهر مع هؤلاء النساء، إنها من أجمل التجارب التي خضتها في المسرح".
معركة المرأة السورية
وفيما درجت العادة أن تكون حكايات الثورات والحروب مقتصرة على شهادات الرجال ووجهات نظرهم، أراد المسرحيون السوريون إخراج ما في جعبة النساء من قصص وآراء، والبحث في "معركة المرأة السورية اليوم وطبيعة المواجهة التي تخوضها"، من خلال عناصر شخصية انتيغون التي "تتحدى السلطة في ظل اقتتال الإخوة".
وأضاف العطار: "الأكثر أهمية أن هذا النص يضع الفرد في مواجهة السلطة السياسية والذكورية، وتحديدا المرأة، إنها مواجهة مع الملك بوصفه الذكر المتغطرس".
ورأى أن أهم ما حققه المشروع "هو البوح والثقة بالنفس لدى المشاركات، رغم طبقات الحرمان والعنف المادي وغير المادي الذي عانين منه كنساء مهجرات لاجئات يعشن ظروفا قاسية، على المستوى الاقتصادي وعلى مستوى احتضانهن، يضاف ذلك إلى العنف الذي تمارسه الأعراف الاجتماعية".
وتؤدي منى دور الراوية في المسرحية، حيث تتطرق إلى قصة إصابة ابنها بمرض خبيث وصعوبة علاجه في بلد يدمره النزاع، ومن ثم وفاته، من دون أن يكون في ذلك أي استدرار لعطف المشاهد ودموعه.
وتقول هذه الشابة ذات الـ29 عاما، والتي كانت تعمل مدرسة ابتدائية في مدينة الهامة قرب دمشق: "هذا العرض أتاح لنا إخراج الحزن من داخلنا، كنا نروي قصصنا بصعوبة، في السابق لم أكن أستطيع إكمال قصة وفاة ابني، لكن الآن خرج هذا الحزن وبتنا نروي قصصنا. لقد داوينا أنفسنا بأنفسنا".
قصص حقيقية
وتدور القصص الحقيقية المروية حول اعتقال الأقارب على حواجز القوات النظامية واختفاء أثرهم، والتجاوزات والمضايقات من مسلحي بعض فصائل المعارضة، وانقلاب الحياة من عيش في وطن إلى تشريد وجوع، ومقتل الأقارب ووفاتهم، وصولا إلى البحث عن بقع ضوء وأمل رغم كل هذه الظروف، والرغبة في كسر القيود المفروضة على المرأة بغير وجه حق.
وفي أحد المقاطع، تروي شابة من درعا جنوب سوريا معركتها مع زوجها الذي قرر بعيد ارتباطهما أن يجبرها على تغطية وجهها، وكيف كانت تواجهه بالقول: "هذا الأمر غريب عنا، ليس من عاداتنا، أمي لا تفعل ذلك، وعمتي لا تفعل ذلك، وأنا لن أفعل ذلك".
فيما تروي زميلة لها معركة إقناع والدها بأن تعمل في صالون تصفيف للشعر داخل مخيم اللجوء في بيروت، وكيف أصبح هذا المكان الذي تعمل فيه وتقصده سوريات لاجئات "سوريا صغيرة في سجن كبير".
وإذا كانت كثير من المشاركات في العرض تحدين الأعراف والخوف لتقديم هذا العمل، فإن الحاجة فدوى (58 عاما) قررت تحدي السن أيضا والانخراط في هذه المغامرة، إذ وجدت فيها "أفضل وسيلة لإخبار الناس بحصار مخيم اليرموك المستمر منذ عامين".
من جهة أخرى، لا يخفي عدد من المشاركات أنهن شعرن بالتوتر والضغط العائلي إزاء مغامرة مسرحية ستعرض أمام جمهور واسع.
تقول منى: "كان المشروع محل استغراب من العائلة، لكن مع تطور مراحله بات زوجي أول الداعمين لي، وبات هو الذي يذكرني بمواعيد التمارين".
ويعيش في لبنان أكثر من مليون نازح سوري، يعاني معظمهم من أوضاع بائسة.
يذكر أن مشروع عرض "انتيغون السورية" بدأ في أغسطس الماضي، وجرى البحث عن الراغبات في المشاركة فيه من خلال فريق "بسمة وزيتونة" العامل في مخيمات اللاجئين السوريين وأماكن تجمعهم، وقد قام بإخراجه عمر أبو سعدة.
وبحسب المنتجة عتاب عزام، فإن المشروع حظي بتمويل أتى الجزء الأكبر منه من أفراد معظمهم بريطانيون، إضافة إلى "بريتش كاونيسل" ومؤسسة "هنريش بورغ" الألمانية.