إذا كان الإعلام أحد أهمّ الوسائل المعوّل عليها لنشر الوعي باحترام المرأة في المجتمع، فإنّه يُكرّس، في كثير من الأحيان، الصور النمطية حول المرأة، وهو ما يستدعي أنْ يقوم بمراجعات دورية لما يُنتجه لإدراك المنزلقات التي قد يقع فيها، بحسب الخبير المغربي في تطوير المهارات الإعلامية، عبد الوهاب الرامي.
الرامي رصدَ جُملة من الصور النمطية حول المرأة في المجتمع والإعلام، من خلال دليل أعدّه في إطار شراكة بين منظمة "البحث عن أرضية مشتركة"، و"معهد التنوّع الإعلامي"، ويرمي الدليل، الذي جَرى تقديمه مساء أمس الأربعاء في الرباط، إلى دحْض الصور النمطية اللصيقة بالنساء والابتعاد عن "الخطاب الذكوري".
ومن أبرز الصور النمطيّة التي ما زالتْ لصيقة بالمرأة في المجتمع والإعلام، استعمال جسدها وأنوثتها ضدّها، من خلال تصويرها "غاوية" و"شيطانا"، و"عاهرة"... وهي مُستهلِكة، أي غير منتجة، وأقلّ كفاءة جسديا وفكريا من الرجل، وكوْنها تابعة له، ومرتبطة بأدوار تقليدية، وليْستْ أهْلا بالثقة ...
الرامي يرى أنَّ الحضور العددي للمرأة في الإعلام مهمّ جدّا، إذْ إنَّ حجبَ المرأة على مستوى الإعلام "هو تغييب لأدوارها المجتمعية المتعدّدة والمتجدّدة، ويجعل الرجل في موقع احتكار للفضاء العام الذي تعتبر الصحافة امتدادا له"، بينما من واجب الصحافة إظهار المرأة كفاعلة في محيطها القريب كما في الشأن العام.
وإذا كان الدليل يرمي إلى "التخفيف من الطغيان الذكوري على مستوى الإعلام"، كما قالَ عبد الوهاب الرامي، فإنّ المرأة نفسَها تساهم، أحيانا، في تكريس هذه الصور النمطية عنْ نفسها، وينجمُ عن ذلك التحقير الذاتي للمرأة، وشلُّ قُدراتها، كالإيمان بالتفوق المطلق للرجل على المرأة في مجال القيادة.
الرامي قال إنّ التشبّع بمبادئ محاربة الصور النمطية، والاعتقاد بأنّ الصحافي المهني أصبح معصوما من الوقوع في أخطاء مهنية وأخلاقية تخصّ هذا الجانب، يوجب على الإعلاميين التحلّي بالحذر، والقيام بتقييم دوري للموادّ التي ينتجونها من حيث التزامها بالمبادئ المهنية والأخلاقية في تغطية قضايا المرأة والنوع الاجتماعي عامّة.
غير أنّ المعالجة الإعلامية الإيجابية للمرأة في الإعلام "لا تعني وضع مساحيق وأصباغ على ما هو رديء في المجتمع، بل الاشتغال الإعلامي بغاية تجاوز الخلل الحاصل في مفصل من مفاصل المجتمع"، ويعتبر الرامي أنَّ تلوين الواقع من طرف الصحافيين ليبدو جميلا ودون أعطاب، عكسَ حقيقته، "يدخل في حدّ ذاته في إطار المعالجة الإعلامية السلبية".
ويحثّ الدليلُ الصحافيين والصحافيات على تجنب الكيل بمكيالين في القضايا والوقائع التي تهمّ المرأة والرجل على حدّ سواء، واستحضار بند المساواة بين الجنسين، ونبذ تجريم المرأة أو المساس بكرامتها أو تحقيرها، أو تجريمها على أساس جنسها، وكذا تجنّب التنميط الإعلامي للأدوار الاجتماعية للنساء.
"دليل الصحافي المهني من أجل مقاربة إيجابية للمرأة في الإعلام"، تضمّن خمسة محاور، تتفرع عنها عشرات المداخل، وسيتمّ نشره على الموقعين الإلكترونيين لـ"منظمة البحث عن أرضية مشتركة" (SFCG)، و معهد التنوع الإعلامي (MDI) المتخصص في الصحافة الإدماجية، اللذين أعلنا عن جائزة تروم التشجيع على تطبيق مضمون الدليل.
"لكنّ الضامن الأساسي لتفعيل أخلاقيات المهنة في المؤسسات الإعلامية هو رئاسة التحرير"، يقول عبد الوهاب الرامي، مشيرا إلى أنّ المجتمع سيظل عنيفا، بشكل من الأشكال، تجاه المرأة، "لكنَّ غيرَ المقبول هو أن يكون الصحافي عنيفا تجاهها، بل عليه أن ينأى بنفسه من السقوط في هذه المنزلقات"، يُردف المتحدث.