تعيش المرأة السعودية في العام ٢٠١٦م قرب نهاية حقبة من أكثر الحقب تعنتاً وهضم لحقوقها لأسباب متعددة، ونتوقع أن تنعتق المرأة من هذا التخلف المجتمعي والإجتماعي مع حلول العام ٢٠٢٠م لتبلغ كامل حقوقها كسائر النساء في الأمم الحيّة بحلول العام ٢٠٢٥م. هذه ليست نبؤة، أو ضرب بالودع، أو قرائة في فنجان، أو دعوة للتحرر والسفور كما سيحاول البعض وصفها، بل نتيجة منطقية وعلمية لعدد من المعطيات ستقود إلى إنعتاق المرأة السعودية من المعوقات الإجتماعية والقانونية والشرعية والتنظيمية والتي نطلق عليها مجتمعة “السوار الإجتماعي” الذي أطبق عليها بقوة منذ العام ١٩٨٠م ودفعت ثمنه المرأة، كما دفع ثمنه الوطن. ويمكن لنا رصد خمسة عناصر رئيسية ستساعد على تمكين المرأة وإنعتاقها: (١) المسار التقليدي للمجتمع؛ (٢) الجهود الحثيثة للمرأة السعودية؛ (٣) المنظمات الدولية؛ (٤) الجيل الجديد؛ (٥) تأثير الإعلام التليد والجديد.
أولاً، يمكن لأي متتبع لوضع المرأة في السعودية مراقبة أربع حقب: (١) الحقبة التعليمية ١٩٦٠-١٩٧٠؛ (٢) حقبة الردة الإجتماعية ١٩٨٠-١٩٩٠؛ (٣) الحقبة العملية ٢٠٠٠-٢٠١٠؛ (٤) حقبة المشاركة الوطنية ٢٠٢٠-٢٠٣٠، وسيلحظ المراقب تطوراً متنامياً ولو بشكل بطيء في دخول المرأة مجالات الحياة بدءاً من التعليم الذي صاحبه لغط كبير في بداية الستينات الميلادية، مروراً بإنتكاسة في “حقبة الردة الإجتماعية” نتيجة توجهات دينية مع بداية الثمانينات أثرت على كثير من مناحِ الحياة الإجتماعية في السعودية، إلا أن المرأة دفعت الضريبة الأكبر في التقدم البطيء نحو إنعتاقها من هيمنة المجتمع الذكوري. وبالرغم من كسر تلك الردة الإجتماعية في الحقبة العملية بالقرار (١٢٠) الخاص بعمل المرأة، وبات تنفيذه على إستحياء وخشية حتى العام ٢٠١٠م ولازال، إلا أن تسارع وتيرة عدد من الخطوات خارج إطار منظومة العمل، يؤكد تسارع النسق نحو إنعتاق المرأة السعودية في أكثر من مجال.
ثانياً، لا يمكن لنا أن نغفل حقيقة هامة وهي جهود وإنضباط المرأة السعودية في التعليم والعمل وجديتها في تناول مجمل الحياة العامة من تعليم وعمل وزواج ورعاية للأطفال وحفاظ على إرتباطاتها الأسرية وصداقاتها الإجتماعية، حتى أن كثير من التقارير والدراسات تشير إلى تفوقها على الرجل في كافة تلك المجالات. كما خيّبت المرأة السعودية كثير من تنبؤات المشككين في قدراتها على التعامل مع شكل ومضمون الحياة الجديدة خارج أسوار البيت والقيود الإجتماعية. من ناحية أخرى، برزت رموز ونماذج للمرأة السعودية تستحق التقدير في المجالات العلمية، ومجلس الشورى، والإنتخابات البلدية، والغرف التجارية، وقطاع الأعمال، جعل أجيال من المرأة تحاكي وتقلد تلك النماذج، وعززت ثقتها بنفسها، بالرغم من محاولات جادة من أصحاب الردة الإجتماعية لخنق تلك الممارسات ووأدها. لكن ثبات المرأة تفوق حتى أمست مشاهدة المرأة السعودية في الحياة العامة أمر مألوفاً للأجيال الجديدة.
ثالثاً، ساعدت المنظمات الدولية كثيراً في نقد تعامل المجتمع السعودي مع المرأة على المستوى الحكومي مما زاد من الإحراج على المستوى الرسمي، وأمسى موضوع المرأة السعودية النقطة السلبية في صورة السعودية في الخارج، وجوهر نقد المنظمات والساسة في العالم. يضاف إلى ذلك تناول الإعلام الدولي والقنوات الفضائية وتسليط الضوء على عدداً من الممارسات الشاذة والغريبة في المجتمع السعودي وتعظيم شأنها في البرامج والتقارير الإعلامية والصحفية. وأضحت مواضيع إمتهان الإرهاب وإمتهان والمرأة في المجتمع السعودي من دلائل تصنيف السعودية بالتطرف والإقصاء، بصرف النظر عن خطأ أو صواب ذلك التصنيف والذي قد يرى البعض أنه يحمل شيء من المبالغة والتحامل. لكنه بكل تأكيد أوقع تأثيراً ملحوظاً في القرارات السعودية الحكومية، من ناحية، وتعامل أصحاب الردة الإجتماعية وحراس القيّم مع مواضيع المرأة السعودية، من ناحية أخرى.
رابعاً، ساعد جيل الـ Y المولود بين عامي ١٩٨٠-٢٠٠٠ على أمرين: (١) تقبل المرأة ككائن ومخلوق طبيعي في الحياة العامة لها ما له وعليها ما عليه من دون تمييز؛ (٢) رفض الكثير من الأساطير والنعوت والأوصاف والممارسات السلبية تجاه المرأة سواء من أصحاب الردة الإجتماعية أو أتباعهم. كما عملت كثير من الخصائص والسمات العلمية والإجتماعية والعملية لجيل الـ Y على تمكنه من عمل قطيعة جزئية مع الموروث السائد حول إمتهان المرأة ومعاملتها بشكل سيء أو بتمييز شرعي أو قانوني غير مبرر أو منطقي. حيث أدرك الجيل الجديد، بأهمية خاصة، أن الحياة صعبة من دون تشارك الطرفين الرجل والمرأة في تكاليف وتصاريف الحياة مما جعل قبول المرأة ضرورة أكثر منه رفاهية. يضاف إلى ذلك، كثرة السفر والسياحة للجيل الجديد ومشاهدة الحياة في الخارج مما أكد شعوره بنشاز ممارسات المجتمع السعودي ضد المرأة.
خامساً، يعترف كثير من المراقبين بدور الإعلام في تيسير قبول المرأة في الحياة العامة، وجعلها مشهداً طبيعياً ومألوفاً، سواء في الصحف اليومية أو القنوات الفضائية الرسمية والخاصة. كما أن البرامج الحوارية في قطاع الإعلام الخاص ساعدت بشكل كبير في دعم العناصر الأخرى حتى بات أصحاب الردة الإجتماعية نشازاً في المجتمع السعودي. كما ساهم الإعلام الجديد، ووسائل التواصل الإجتماعي في حضور المرأة بشكل مكثف في الحوار والتواصل وجعله أمراً مفروضاً وحاضراً بقوة، ولذا زادت الوسائل الجديدة من عمق ودائرة الحوار وتعرف الجنسين على بعضهما البعض من ناحية. كما أعادت وسائل الإعلام الجديد تعريف مصطلحات مثل: الخلوة، والحجاب، والإختلاط، من ناحية أخرى، مما هيأ المجتمع لنقلة نوعية جديدة.
سادساً، ما تعانيه المرأة السعودية اليوم من تقييد لحريتها الحياتية بكل تفاصيلها الشرعية والقانونية والتنظيمية والعلمية والعملية لن تستمر طويلاً، وبات إنعتاقها أمراً حتمياً من تلك القيود و”السوار الإجتماعي” الذي تفاعلت عدد من المعطيات والأحداث على إحكامه حول المرأة وشكلها وصوتها وتعليمها وعملها وتمتعها بأبسط حقوقها كمخلوق وإنسان. إذ يمكن لأي متخصص أن يتابع إحصائيات تعليم المرأة بدءاً من الحقبة التعليمية في بداية الستينات ويقارنها بإحصائيات اليوم. كما يمكن مراقبة الإحصائيات في الحقبة العملية ويقارنها بإحصائيات اليوم، ليستنتج بكل يسر وسهولة من خلال الأرقام، بالرغم من تواضعها في نظر البعض، وضع المرأة علمياً وعملياً مستقبلاً وبتسارع يفرضه إيقاع الزمن في حقبة المشاركة الوطنية.
سابعاً، يضاف إلى ذلك، أن منطق التطور الطبيعي يحتم عدم إستمرار المجتمع السعودي “أعرج” إلى الأبد مهما حاولت فئة حراس القيم أو بقايا أصحاب الردة الإجتماعية، التي ستنقرض لأمرين: (١) التقادم وتناقص هذه الفئة العمرية؛ (٢) ظهور قضايا أكثر إلحاحاً وأهمية. فليس هناك موروث ديني أو إجتماعي أو منطقي يؤكد صحة مايذهب إليه أولئك. وإذا كانت الحكومة قد إختطت التدرج في عدم إحداث صدمة إجتماعية لفئة محدودة ومتناقصة ومتناقضة من المجتمع فيما يخص موضوع المرأة، فهذا لا يعني البتة أن المجتمع السعودي يسير في الطريق الصحيح والصحي في تعامله مع المرأة وتعطيل نصف المجتمع، وبالتالي الإنتظار حتى يستقيم فكر تلك الفئة المحدودة أو تبادر طواعية لتدارك الخطأ. كما أن حقبة الردة الإجتماعية في بداية الثمانينات هي الإستثناء في مسيرة المجتمع السعودي، ولا يعني تكرارها أو إستمرارها.
ثامناً، أسلوب المحاباة الذي إعتمدته الدولة، والتدرج الذي إختطته الحكومة مع فئة مجتمعية محدودة في المجتمع السعودي، لم يعد مجدياً في قضايا تنموية لأسباب عديدة، فقد بلغ السيل الزبى من فكر منغلق يفهم كثير من القضايا الإجتماعية التي غلب عليها العادة والسائد، بمنطق ديني مختلف تظهر وكأنها من أشكال العبادة أو من الثوابت، ولا يعني ذلك خطأه أو صوابه، بل يعني إنتهاء صلاحيته وعدم موافقته وتناغمه مع واقع الحال والحياة. إذ بالرغم من تنامي الحضور السعودي في العالم لازالت هناك العديد من القضايا المحلية تشكل عقبة كؤود في مسيرة السعودية التنموية وخطها في العلاقات الدولية، وإشتراكها مع العالم في كثير من المعايير الإنسانية.
أخيراً، التطور سنة من سنن الله في الكون، لا يمكن لفرد أو فئة تبديل أو تحويل تلك السنن الإلهية أو ذلك التطور. فالأجدى والأفضل أن يعمل المجتمع بكل فئاته وأطيافه على تمكين المرأة ومنحها حقوقها التي هُضمت في الحقب الماضية، والنظر إلى المرأة بأنها مخلوق سوي، وكائن بشري، وكيان إنساني، يثري الحياة بالعقل والعاطفة وبالعلم والعمل، لكي يتخلص المجتمع من التعوّق ويعود المجتمع السعودي إلى أن يصبح مجتمع سوي يعمل بكل طاقاته، الرجل والمرأة من دون تمييز. ختاماً، إنعتاق المرأة من “السوار الإجتماعي” أمر حتمياً وقادم لا محالة بأسرع مما يتصور البعض، فلنستعد ولنتهيأ ولنرحب بشقائق الرجال. ولنفعل ما يقوله المثل الشعبي: “شيء لابد منه إستقرب منه”. حفظ الله الوطن.