الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

التونسية نهى العجيمي لـ " وكالة أخبار المرأة " : المرأة التونسية كفاءة عالية وواقع مكبل...

  • 1/2
  • 2/2

طارق بـنـمعاوي - تونس - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

اكتشفنا ثقتها بنفسها ونحن نزورها بمكتبها بمقر معتمدية (تقسيم إداري من المستوى الثالث في تونس  فتونس تنقسم إداريا إلى ولايات وتنقسم الولايات إلى معتمديات) الزهراء الواقعة في الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة  .. ثقة بالنفس وقوة شخصية صفات قد يكون قد اكتسبتهما  من عليسة قرطاج مكناها من إدارة الشؤون المحلية للمواطنين بقدرة وكفاءة عاليتين.
كما لامسنا في شخصيتها رقة ممزوجة بوقار وإحساس عال بالمسؤولية ورغبة جامحة في خدمة تونس وهي تخطو خطواتها الصعبة  نحو الديمقراطية.. إنها الشابة التونسية  نهى العجيمي التي تتقلد منصبين سياسيين فهي معتمدة ورئيسة النيابة الخصوصية ( تقسيم من مستوى رابع حيث تنقسم المعتمديات إلى بلديات أو نيابات خصوصية وفق نظام التعيين وليس الانتخابات باعتبار أن تونس لم تقم بعد بانتخابات بلدية) بمدينة ينتمي سكانها إلى مختلف الطيف السياسي في تونس وتتميز بحضور لافت وقوي للمجتمع المدني.
حضرت نهى إلى المكان الذي تواعدت فيه مع " وكالة أخبار المرأة "  فيه للإجابة عن أسئلة صحفي متلهف للتعرف على شابة كانت لها تجربتان في إدارة الشؤون المحلية وهي لم تتجاوز بعد عقدها الثالث فسبقتني بأجوبة الجسد والألوان .
كانت نهى تحمل في طريقة تسريحة شعرها وفي لباسها الأنثوي ملامح المرأة العصرية الحداثية المتأصلة في ثقافتها العربية الإسلامية .. لست أدري إن تعمدت خوض لعبة الألوان مع فضول صحفي  من خلال لباسها الذي تناغم فيه اللونان الأبيض والأسود لعلها أرادت الإشارة من خلال ذلك إلى صفاء سريرتها وصرامة طبعها في أخذ القرارات الحاسمة
بدأنا حوارنا بالحديث عن تكوينها فاكتشفنا أنها متخرجة حديثا من الجامعة في اختصاص الإدارة بعد أن أنجزت مشروع تخرجها في إحدى كبرى الشركات التونسية وهي الخطوط التونسية كما انها تابعت تكوينا في الحقل السياسي في برنامج تعاون تونسي إيطالي.
بعد حصولها على شهادتها الجامعية تم تعيينها كرئيسة بلدية بأحد المناطق من ولاية سليانة التي تقع جغرافيا في الشمال الغربي معطى جعل بعض المعطيات تطفو فجأة على سطح الذاكرة  فهذه المنطقة  تعتبر من الناحية الاقتصادية من بين الولايات الأكثر فقرا في تونس رغم الإمكانات الاقتصادية التي تتوفر عليها ولكن نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي قد همشها كما همش عددا من ولايات الجمهورية الأخرى. 
معطى آخر استحضرته وأنا أتحدث إلى ضيفتي وهو استطلاع للرأي تم إجراؤه في إطار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدعم مشروع المسار الانتخابي في تونس فهذا الاستطلاع أبرز عدم ثقة عدد كبير من التونسيين في قدرة المرأة على خوض غمار العمل السياسي وتوليها لمناصب عليا في الدولة وقد تجلى ذلك من خلال  نوايا التصويت  للمرأة إذ بلغت هذه النوايا ثمانية عشر بالمائة بينما تعدت بالنسبة للرجال عتبة الخمسين بالمائة وولاية سليانة واحدة من الولايات التي تعتبر فيها المرأة غير مؤهلة للوجود في مناصب سياسية عليا.
قلت لو تحدثينا عن تجربتك كرئيسة بلدية في هذه المدينة فجالت بناظرها في الفضاء الذي كنا فيه وكأنها  تبحث على التقاط لحظة هاربة  ثم نزعت نظارتها بهدوء لتمسح دمعتان ترقرقتا في مقلتيها فتخيلت حجم الرفض الذي وجدته في هذه المدينة التي لا يعترف سكانها وفق استبيان برنامج الأمم المتحدة بدور المرأة في الحياة السياسية ولكنني فوجئت بقولها "هذه دموع فرح وفخر فقد غادرت المدينة وحجم الاستثمارات التي تركتها لخدمة المواطنين قد بلغت ستة ملايين دينار وهو مبلغ محترم جدا"
فنهى الشابة ما كان لمجتمع ريفي فلاحي ذكوري أن يقبل بامرأة تدير شؤونه الداخلية لو لم يكن لها القدرة على التأقلم مع واقع ذكوري بامتياز فهذا النجاح عزته نهى إلى سياسة القرب التي اعتمدتها وفي الحديث إلى منظوريها بلغتهم وانخراطها في عاداتهم وتقاليدهم فلأنها شابة ولن أغلب الذين تقابلهم يكبرنها سنا فهي تنادي لإبراهيم "العم" إبراهيم ولمن حج بيت الله الحرام يا" حاج" هذا بالإضافة إلى تفرغها المطلق لخدمة قضايا سكان الجهة بأسلوب علمي يستند إلى مبادئ الحوكمة الرشيدة والتصرف في أموال الدولة وفق منهجية التشاركية وتحديد الهداف والمتابعة والتعديل.
لهذه القدرات العلمية ولهذا الجانب الإنساني  لم يرفض السكان رئيسة البلدية نهى وإنما احترموها تعاونوا معها وخططوا برفقتها لحل مشاكلهم اليومية  كما فكروا معها في كيفية النهوض بالمناطق الريفية من خلال اقتراح المشاريع التي يمكن أن تحدث مواطن شغل بما فيها مواطن الشغل الخاصة بالمرأة الريفية .. هنا استوقفت محدثتي لأسألها عن واقع المرأة الريفية التي كانت مشاركتها ضعيفة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية لعدم تسجيلها في القائمات الانتخابية من جهة ولعدم حيازة العديد منهن على بطاقة هوية من جهة أخرى وهنا ذكرت نهى بأنها دائما ما تكون مصحوبة في زياراتها الميدانية بالرجال أما المرأة فهي مغيبة عن الفضاء العام وقد أعربت نهى عن صدمتها عند اكتشافها في يوم من الأيام  زواج رجل في إحدى القرى الريفية بامراة ثانية رغم تجريم القانون التونسي لمسالة تعدد الزوجات ولئن كان لهذا الزواج مبرراته وهو إصابة الزوجة الأولى بمرض السرطان فنهى قالت " لن تمحى هذه الحادثة من ذاكرتي"
كنا نتحدث عن نهى المرأة التي اقتحمت مجالا كان ومازال حكرا على الرجل ولكن من خلالها نتحدث عن المرأة وقضية المساواة مع الرجل ولعل تجربتها في موقع الحكم المحلي جعلنا نتلمس واقع النساء الريفيات اللاتي مازلن يتقاسمن الاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي في مجتمع يفرض سلطته الذكورية كما يمكن أن نستشف مما ذكرته لنا محدثتنا أن المرأة الريفية تعيش في القرن الحادي والعشرين  ظروفا صعبة ناجمة عن قيامها بأعمال منزلية منهكة إلى جانب تحملهن لعبئ تربية الأطفال ورعايتهن لهم وقبولهن بشتى أنواع الاستغلال من قبل الأزواج والعائلة.
بعد هذا التجربة في إحدى المناطق الحدودية وبعد سنتين من العمل بها انتقلت نهى إلى الضاحية الشمالية لتونس العاصمة لتعمل في بيئة مختلفة حيث أن هذا المدينة المفتوحة على البحر معروفة بانفتاح سكانها  على الثقافات الغربية وبنمط عيش سكانها على النمط الأوروبي هذا بالإضافة إلى انتماء سكانها إلى  طيف سياسي متنوع وانخراط العديد منهم في العمل الجمعياتي وهي عوامل تجعل من التحديات المطروحة على معتمدة شابة  ورئيسة نيابة خصوصية كثيرة ومتنوعة.
نجحت الشابة بطموحها وبإرادة قوية في خدمة بلدها وبتشجيع من والدها الذي دائما ما يقف خلفها من كسب ثقة كل الأطراف في ظرف زمني وجيز وذلك بتسخير مجهوداتها لخدمة المواطن مهما كان انتماؤه فكان لها دور كبير في إنجاح المشاريع التنموية ودور أكبر في دعم مجهودات المجتمع المدني في ترسيخ قيم المواطنة من خلال تنظيم الفعاليات وتمويلها.
حاولت أن أجر محدثتي إلى الحديث في السياسية رغم أننا نتناولها في حديثنا ولكن بشكل غير مباشر فسالت عن أسباب تراجع عدد النساء المعتمدات حيث مر من ثلاثين في السنوات الفارطة إلى عشرين خلال هذه الفترة ولئن لم تجبني بشكل مباشر فإنها أقرت بان الفوارق مازالت موجودة  بين ما تحمله القوانين والتشريعات لفائدة المرأة وبين ما هو موجود على أرض الواقع
الحوار جرنا إلى الحديث عن الانتخابات الرئاسية حيث صوتت أكثر من مليون امرأة لفائدة المرشح الباجي قائد السبسي وحتى انبش أكثر في شخصية ضيفتي تساءلت عن سبب عزوف النساء عن تكوين أحزاب سياسية حتى لا تبحث عن قائمات حزبية رجالية للانضواء تحت مضلتها.
محدثتي عملية جدا وتنطلق دائما من الواقع لتعود إليه فقد ذكرت لي حادثة حصلت مع شقيقتها المتحصلة هي الأخرى على شهادة جامعية هذه الأخت كانت في احد أيام الشتاء ترافق نهى على متن سيارتها في جولة بتونس العاصمة ولان الحديث ذو شجون فقد تم طرح موضوع المساواة بين المرأة والرجل وهنا تساءلت الأخت عن جدوى بحث المرأة عن المساواة فهي غير قادرة حسب رأيها على تسيير وزارة أو العمل في المجال السياسي بالكفاءة ذاتها التي يتميز بها الرجل
صحيح أن الموروث الثقافي الذي توارثته الأجيال عن وعي وعن غير وعي قد رسخ العقلية الذكورية ونزع عن المرأة القدرة على الفعل ولكن المراة نفسها مسؤولة عن الواقع الذي تعيش فيه اليوم فبعض النساء تقول نهى قد استسلموا لما يعتبرونه واقعا فرضته العادات وكرسه المجتمع وأصبحن حبيسات هذا التفكير فالمرأة تقول نهى يجب عليها أن تكسر أولا القيود التي كبلت بها نفسها  قبل أن تذهب إلى "عقر دار الرجل" لتفتك المكانة التي هي بها جديرة.
قلت ومن الذي رسخ هذه القناعة لدى بعض النساء
فكرت قليلا ثم بينت أن الأسباب عديدة وذكرت من ضمن هذه الأسباب وسائل الإعلام التي مازالت تبرز المرأة بصورة نمطية لا تتماشى وتتطور المجتمع فالمرأة تصور في وسائل الإعلام على أنها "كائن جمالي فحسب" همها الوحيد توظيف هذا الجمال لتلبية الرغبات الجنسية للرجل أو إنها مادة إعلامية يستغلها تلفزيون الواقع لتشويه صورة المرأة وتمييع قضاياها الحقيقية.
 فالإعلام وفق محدثتنا لم ينفذ إلى عمق القضايا المطروحة على المرأة والرجل خاصة وتونس بصدد بناء ديمقراطيتها الناشئة هذه الديمقراطية التي تنبني في جوهرها على المساواة أمام القانون والمساواة في الحقوق والواجبات تقول محدثتنا
نظرت محدثتي إلى الساعة التي كانت تزين معصميها ثم استدركت قائلة "مازال لنا متسع من الوقت فالندوة التي سأشارك في فعالياتها بعد قليل بمركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المراة لم يحن بعد.
التقطت اللحظة لأسال نهى عن دور المنظمات المختصة بشؤون المرأة في التعريف بقضاياها وهل هي مقصرة في تبني قضايا المرأة والدفاع عنها
استعرضت محدثتي المواضيع التي يتم تناولها في مثل هذه المنتديات وأشارت على سبيل الذكر إلى المجلة الانتخابية ومبدأ التناصف الذي لم ينصف المرأة على مستوى تراؤس القائمات الانتخابية كما تطرقت نهى إلى ضعف وجود المرأة في الحكومات التي عقبت سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وهي مواضيع يعمل مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة على مناقشتها وطرحها على أنظار السلطة التشريعية والمجتمع المدني.
وفي هذا السياق أشارت نهى إلى الدراسة التي قام بها المركز حيث بينت الأرقام أن أكثر من خمسين بالمائة من النساء شاركن في الانتخابات ومع ذلك فان حكومة الحبيب الصيد التي تتكون من ثمانية وعشرين وزيرا لا توجد فيها النساء سواء بثلاث وزارات كما أن التناصف في الهيئات المنتخبة لم تجن منه النساء سوى نسبة اثني عشر بالمائة من النساء المترائسات لقائمات انتخابية.
مع اقتراب موعد ضيفتي سألتها عن مستقبل المرأة التونسية وعن تفاؤلها أو تشاؤمها بهذا المستقبل حينها استرجعت أحداث الثالث عشر من أوت سنة ثلاث عشرة وألفين حين خرجت المرأة للفضاء العام في وقفة احتجاجية سميت اعتصام الرحيل هذا الاعتصام الذي تم تنظيمه على خلفية مشروع دستور الجمهورية الثانية الذي اعتبر الامرأة مكملة للرجل هذا المشروع الذي ضمنه صقور حزب حركة النهضة فصولا قانونية تمس من مجلة الأحوال الشخصية وتضرب في الصميم حقوق المرأة التي ناضلت عليها لمدة عقود بداية من الفترة الاستعمارية ومرورا بفترة الاستقلال ووصولا إلى حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي واصلت نهى لتقول "حراير" تونس فرضن على نواب المجلس التأسيسي تعديل مواقفهم من المرأة وتعديل فصول مسودة الدستور استجابة للضغط الذي مارسته "حراير" تونس على السلطة التشريعية
لذلك وغير ذلك فنهى متفائلة بمستقبل المرأة التونسية التي يساندها في الدفاع عن قضاياها جزء كبير من شريكها في الحياة وهو الرجل.
هل لنهى طموحات سياسية، هل تريد مثلا أن تكون وزيرة أو رئيسة جمهورية في مجتمع رفض ثلاثة وستون ممن يحق لهم الانتخاب أن تتولى امرأة منصب رئيس الجمهورية وفق استطلاع للرأي
هذه المرة لم تفكر كثيرا محدثتي كما عودتني على ذلك طيلة الحوار الذي دار بيننا فكانت إجابتها سريعة "أرغب في أن أكون إما وزيرة للشؤون الاجتماعية أوزيرة للتنمية، قلت منذ العهد البورقيبي وإلى حد اللحظة لم تتول امرأة واحدة قيادة إحدى وزارات السيادة فهي دائما إما وزيرة المرأة أو وزيرة الشؤون الاجتماعية وأضفت يبدو أن المرأة قد قبلت لاشعوريا بهذه النمطية وهذا التصنيف، بدا سؤالي مفاجئا لذلك قالت بخصوص رئاسة الجمهورية أنا لا أفكر في الترشح لهذا المنصب ولكنني قد أفعل ذلك في المستقبل البعيد"
على هذا الطموح انتهى حوارنا ودعت محدثتي، وأنا أرقبها وهي تمتطي سيارتها سوداء اللون
تذكرت المقولة الشهيرة للمفكرة الفرنسية سيمون دي بوفوار
"لا تولد المرأة امرأة وإنما تصير كذلك"

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى