لم تعد تخفى علينا الحاجة في عالمنا العربي إلى فعل حقيقي يقوم على نشر قيم الحوار وآدابه وفضائله وأثره، فالذي يحدث ونشاهده يومياً هو نزوع نحو الفوضى بكل ما تعني الكلمة، وتوجه واضح نحو «البلطجية» من الغوغاء وانحسار واضح للغة العقل والمنطق، وهذه اللغة تهزم دوماً أمام الصخب والضجيج والفوضى، بل تنحسر وتتلاشى تماماً أمام القسوة والعنف، وهو الأمر الذي نشاهده في مجتمعات عدة من عالمنا العربي بصفة خاصة، والعالم برمته بصفة عامة.
عندما تكون الكلمة العليا للغوغاء والضرب على وتر الحماس الجماهيري لتحقق فئة ما مكاسب سياسية على سبيل المثال، فإنك مباشرة ستشاهد الجهل وتسطيح المعرفة بكل وضوح ومن دون أي مواربة أو ضبابية، ومعها ستختفي لغة الحوار ومقوماته ومجالاته.
لأن الحوار الناجح سيؤدي إلى نتائج من أهمها التفاهم أو على الأقل فهم وجهة نظر الآخر وكيفية التعامل معها، الحوار يوضح أي لبس وسوء فهم، ويزيل أي غمامة وظلمة، إذا وجدت الرغبة لدى الطرف الآخر بالمعرفة والفهم والتفاهم.
تجربة الإنسان على امتداد تاريخه مع الحوار كانت دوماً ثرية ومفيدة، وإذا توجهت الأطراف المختلفة نحوه، برغبة صادقة لإيجاد الحلول لكل ما يعترضهم من معضلات وعقبات ومشاكل، فإنه ينجح وتكون له ثمار وفوائد كبيرة.
بعض العلماء ودارسي العلوم الإنسانية يتحدثون ويؤكدون أن الحوار هو أساس الحضارة البشرية، وأنه اللبنة الرئيسة التي قامت عليها كل خطوات التطور والرقي والتقدم، وأن المجتمعات التي تنتشر فيها قيم الحوار ومبادئه وخصاله، هي الأكثر تقدماً وتفوقاً واستقراراً وإنتاجية.
وأنا أتفق تماماً مع مثل هذه الآراء، لأن لدينا شواهد عدة عن مجتمعات قررت حسم خلافاتها بالعنف والقسوة والتقاتل، وهي مستمرة منذ سنوات في أتون الحروب والموت، فقد استبدلت لغة السلاح بلغة الحوار.