الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

تقنينُ الالتزام المهني !

  • 1/2
  • 2/2


الكاتبة الصحفية: فاطمة غندور - ليبيا - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

اعلام الحرب حرب الاعلام !

لا مفر من ربط تداعيات الازمة السياسية في الحال الليبي بأوضاع الاعلام والاعلاميين بمختلف أوجه حراكهم في يومنا هذا ، فلا اعلام دون استقرار ، نحن اليوم نعيش حربا أهلية وازمة سياسية أدت الى تقسيم البلاد ، ومخاطرتتزايد معلنة تمدد حالات العنف و الارهاب المتطرف .. ومما لاشك فيه أن اعلام اليوم اعلام مُعبر عن حالة وطن خاض ثورة عصيبة وعسيرة بفعل وجود السلاح كواجهة للمشهد حين قرر النظام السابق مواجهة شعبه به أوان الثورة وما نتج عن ذلك بعدها ، اعلام يُصارع وسط مجتمع جرى تنميطهُ ومنهجتهُ فكريا واجتماعيا عبر عقود مظلمة لم يسُد فيها غير صوت واحد وهكذا كان الاعلام في تلك المرحلة : الجريدة والراديو والتلفزيون ذوات قالب واحد فاتق ناطق بلسان الديكتاتور ، لذلك حتى ما نراه اليوم من تعددية وتنوع وكثرة فإن أغلب ما يُبث فيه يُروج  لزعامات مُسلحة وينقل صراعات سياسية مُعلنة وحادة ، اعلام حرب  يواجه به طرف طرفا اخر يعتبره خصما في امتلاك الوطن والتنازع حوله ، طبعا التعدد والتنوع ليس عيبا اذا ما سلك طريقا يعبر فيه عن التوجهات السياسية والوطنية بطرق اخلاقية سِلمية – ولنا ايضا أن نرى ما يتعرض له اعلاميو اليوم من مخاطر وحالات القمع الشديد (اغتيالا وخطفا وتهديدا ) الذي يطال من يتصدون لمهمة نقل الخبر واعلان الرأي ، وذلك مايُشتت الجهود بل ويجعل في مُكنة حامل سلاح خارج شرعية الدولة أن يكون طرفا مُصادرا ومُنتقما وحاجبا لدور وعمل الاعلامي ، وفيما نشهده مؤخرا من نزوج وهجرة وطلب اللجوء للعاملين بهذا المجال خير دليل على ذلك.
هل نحتاج وزاة إعلام ؟
ومن باب الانصاف ومع كل ما يدور وما يموج به مشهدنا فهناك جهود بُذلت وأصوات تزاحمت وتعالت عقب التحرير مباشرة وإن خانتها النوايا لتنظيم القطاع ، رغم أنها عادت تتمثل شكلا ساد سنوات اجتماعات المؤتمرات الشعبية وملتقيات التصعيد وتزوير الاصوات !! ، لستُ ضد التقاء نخب او جماعات ترى أن مشهدا اعلاميا مُخلخلا يجب ان يجري تنظيمه وفق نظم ولوائح يتم تداولها و نقاشها والتوافق حولها بتشكيل رابطة او اتحاد او جمعية ، لتُلملم وتُنظم مؤسسات اعلام الحكومة ( العام ) والتي بها ما يقارب الستة الاف موظف !، جزء كبير منهم وعلى مستوى البلاد لا علاقة له بالمهنة وتم تعينه لدور امني أو كمُخبر ليس إلا ، أو فلنقل حاز وظيفته لعلاقته القرابية بمدير تلك المؤسسة ، وبالنسبة لدور وزارة الاعلام ! حقيقة فيما جرى عبر سنوات قاربت الخمس لم يكن فيها للوزارة من دور يُقارب أو يتعاطى مع مشاكل وعوائق من يعملون بالقطاع حتى انك تشعر انه ليس ثمة وزارة أصلا غير مكاتبها القارة في مكانها منذ زمن  ، وإن حدث لقاء او اجتماع مثل استثناء فهو عادة ما يُراجع المشهد بنظرة فيها كثير من الشكوى والتملمُل من علل لا يوجد لها حل عندها – أي الوزارة - غير فرض القيود و الرقابة الصارمة ( وكأن العاملين بالقطاع قُصر لا ثقة في افعالهم ونتاجهم ) واطلاق الأحُكام بأن كل ما هو خارج دائرة القطاع العام ينبغي ايقاف دعمه ومحاربته من لزوم ما يلزم وذلك ما يجري الاسراعُ بتنفيذه ! ، ولنا أن نتسائل عن أي دور سيقدمه الاعلام الوطني ( ممثلتهُ الوزارة ) و تلك هي نداءاته وبرامجه الاقصائية ، ولنا ان نضيف أنه وسط التطور التقني وبما فيه من تسارع انتشار الخبر عبر الوسائط ، وتعدد المواقع و الفضائيات المنافسة ، عدا صحافة المواطن التي صارت تسبق المؤسسات حين يكون شاهد عيان الخبر لحظة وقوع الخبر قد بث الخبر ! فليس هناك من مفر بإقرار أن هكذا مؤسسة قد عفى عليها الزمن ولا نجاعة لدورها  ! . 
هل الدستور ضامنٌ لتعزيز الحريات ؟!
ما لم ينطلق او يتبنى الاعلامي القضايا التي تُؤمن باحترام الرأي الاخر وسماع الاصوات مهما تعددت مادامت تنتهج اخلاقيات المهنة أومدونة السلوك المهنية والتي في أُسها ذاتية ، فلن يُجدي ان نضع مواد وبنود لا تأصيل أو تاسيس لها في ذواتنا كممتهنين في المجال ، ولنا أن نُراجع بروباغندا قوانين تعزيز الحرية التي اصدرها القذافي والتي اذكر أن بندا فيها حول حرية التعبير ( بقانون أسماه وثيقة تعزيز الحرية ) يقول بما معناه ان من حق أي المواطن ان يعبر بحرية وفي الهواء الطلق عن رأيه !، وفي المحصلة ماذا كنا نرى ونعيش ؟ اعتقالات واغتيالات و حجر لحريات صحفيين واعلاميين وممارسات لم تكف طوال عقود النظام السابق.
ومنذ سنوات الثورة وانا أسمع نداءات وخطابات تجزم أن تقنين دور المؤسسات الاعلامية هو ما سيُخرجها من فشلها المتراكم والموروث فليكن ذلك ، لكن العلاج سيكون صعبا لواقع نشهد فيه صوت السلاح الملعلع فوق كل صوت وقد انساق بعضهم وراء هكذا خطاب وصار إعلامهُ مثله ، سيبقى الدستور هو الحل المفصلي فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير بالاضافة الى ما أقره اليونسكو من مباديء مؤخرا وعلى رأسها مبدأ (حماية) : حرية الرأي والتعبير، وناقل ومصدر الخبر ، وحق منح المعلومة ، و بالطبع تبني كل المواثيق والمعاهدات والعهود الدولية التي تُدرج إلزام الحُريات ضمن بنودها .
هل اللوائح والقوانين تكفي للالتزام المهني ؟
خضنا تجربة صحيفة مُستقلة عبر جريدة "ميادين" والتي انطلقت من مدينة الثورة بنغازي ، كان مُراسلونا شرق وغرب وجنوب البلاد يُغطون الاحداث بموضوعية ودون انحياز ، كما كتبتْ في "ميادين"  أقلام من اطياف و تيارات متعددة كانت تتجاذب المشهد السياسي في بلادنا ، وقد نشرنا اغلبها ما دامت التزمت رسالة ورأيا تتشارك فيه مع الغير داخل الوطن الواحد  وشاهد ذلك مُجلداتنا الموثقة لكل ما ذكرته ، أريد ان اشير وأؤكد أننا من خلال العمل وفي داخل المحك الصحفي وبكل تداعياته انذاك اكدنا على ما يجب ان ينطلق منه من يمارس دوره كمرسل للخبر وكاتب للرأي متوخيا الموضوعية والمصداقية كان الميثاق والمدونة والاخلاقيات مُمارسين ومُطبقين في مطبخ العمل الصحفي ، حاولنا تطبيق ووضع تلك الاخلاقيات نصب أعيننا عمليا ، فكيف نعتقد أن اشتراطا و الزاما  أوفرضا على العاملين بقطاع الاعلام كفيل فقط بتصحيح مسار العمل وتنظيمه ؟ ، واسمحوا لي بأن أذكر أننا امضينا اربعين سنة مع نظام ديكتاتور يروج لقائمة من اللوائح والمواثيق والقوانين في معنى الالتزام والالزام والضبط  ما ملأ أدرج ورفوف المؤسسات الليبية ردحا من الزمن وعشنا واقعا الكل يعرفه ، والحقيقة ان الالتزام في مبدأه ( وفي مجال الاعلام ما اتقصدهُ هنا ) ممارسة ذاتية ( ما يمكن ان نسميه الضمير الاخلاقي للصحفي ) وليس قانونا يحجر او يؤطر وفق قالب يبتدعهُ أي مزاج !
والحال هكذا ! نرجو ان تُؤتي الحوارات الوطنية المدنية والاهلية وجهود المصالحة ثمارها وتؤدي الى تعافي جسد البلاد ليشرع الاعلام في ممارسة دوره الهام ، وسأعود لمسألة ضمانات تؤسس لحرية الرأي والتعبير بكل أوجهها يقدمها دستور البلاد حال خروجه ! مشفوعا بواقع استقرار أمني تحتكر فيه الدولة العُنف عبر مؤسسات لها شرعيتها هي الشرطة والأمن والجيش.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى