الارشيف / ثقافة و فن

قصر المرايا

"قصر المرايا"! يستوقفه اسم المحل الذي تنتصب أمامه شجرة ميلاد جديدة، مزينة بكرات على شكل مرايا. ينظر الشاب في إحدى الكرات، فيرى نسخاً عديدة من وجهه، كثيرة كثرة المرايا الصغيرة المتراصة على سطح الكرة.

"ها قد بدأت مرحلة ما بعد الحرب بتسميات فخمة، ماذا لو أسموه كوخ المرايا مثلاً؟" يتساءل الشاب، وقد عزم على دخول القصر، أو الكوخ كما أسماه بينه وبين نفسه.

في الداخل، يكتشف الشاب بأنه ليس محلاً، بل هو مطعم، يجلس وقد صمم على تناول قطعة من حلوى عيد الميلاد الذي يقترب، ويفكّر فيمن تبقى من أصحابه هنا في المدينة، لعلهم يتفقون على المجيء إلى هذا المكان خلال أيام.

 

 

يغالب شعوره بالدوار، وقد تبيّن له بعد الوهلة الأولى أن كل ما في المطعم عبارة عن مرايا. "كيف تمكنوا من تصميمه وتنفيذه بهذا الشكل؟" كل شيء مرايا: السقف، الجدران، الأرضية، الطاولات، الصحون، أدوات الطعام، أينما نظرت رأيت نسخاً متكررة من الشيء نفسه، مدى لانهائي، اللون الفضي اللامع يسطو على المكان، حتى إن الشاب ينظر إلى نفسه ليتأكد من أنه ليس مرآة هو الآخر.

 

يتناول طبق الحلوى الذي طلبه، وهو يشعر بالسرور لأن الطعام حقيقي وليس مرآة. وقبل أن ينهض يدس يديه في جيوب معطفه بحثاً عن المحفظة والنقود، كان لسبب يجهله قد أزاح هذا المعطف إلى ركن بعيد من الخزانة لسنوات، قبل أن يقرر ارتداءه اليوم مع هبوب البرد الشديد. يبتسم وهو يتذكر عثوره دائماً على قطع نقدية متبقية منسية في جيوبه من شتاء لآخر، هذه العادة التي لم يفلح في التخلص منها. شيء ما لا يشبه ملمس النقود، إنه ورقي، هل هو منديل قديم؟ يُخرج الشاب يده من جيبه وتتلاحق في عينيه صور وانفعالات قديمة، وزمن لم يرغب في أن يقتحم خصوصية لحظته بعد أن وضعت الحرب أوزارها. كان ظرفاً ورقياً أبيض، يحتوي على سكّر.

 

 

تذكّر جيداً كيف أنه عثر على هذا الظرف ذات شتاء قبل سنوات، لم يكن ممكناً تناول الحلوى، كان السكّر مادة نادرة، استغنى عنها لفترة من الزمن، افتقدتها الأسواق، وعثر عليها هو... داخل ظرف كان قد نسيه في المعطف نفسه. أصبح هذا الظرف شيئاً ما يشبه التعويذة، يذكر جيداً أنه احتفظ به مطولاً، وهو يحلم بأن يصحو فيجد الظرف قد تحول إلى حمولات من السكر تملأ الأسواق وتلبي حاجة الجميع.

 

يتأمل الشاب الظرف من جديد، ينظر من حوله ليفاجأ بأن حلمه يتحقق، الظرف تحول إلى ظروف بيضاء تعكسها كل المرايا، والصحون، والجدران. يعيده إلى جيبه، يدفع الحساب، ويغادر المطعم.

 

وفي الخارج كانت السماء تُغرق المدينة بالثلج أبيض يهطل رويداً رويداً ويغطي الشجرة الوحيدة في الشارع المزدحم.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

قد تقرأ أيضا