الارشيف / ثقافة و فن / لبنان 24

عمر حرفوش"..... إمبراطور من لبنان على عرش الموسيقى!!

هي لم تكن أمسية لبيتهوڤن، لكنّ مسرح "العزم" الجامعي في طربلس اتسع صدره لمئات الجماهير من هواة الموسيقى الذين تزاحموا من مختلف المناطق لمشاهدة "عمر حرفوش". نخبةٌ من ذواقي الفن الراقي تهافتوا ولأول مرة دون نزاعات الصف الاول، تلك الظاهرة التي لطالما شكّلت أزمة في معظم الندوات او الأمسيات الشعرية والفنية التي لم تخلُ يوما من الانتقادات والعتب على منظمي الحفل على اعتبارهم ان من يجلس في الصفوف الخلفية لا يصنّف ضمن النخبة الشعبية، الا أن مساء يوم الجمعة استطاع أن يفكّ عقدة "الشوفنة" فجلس البعض ممن وصل متأخراً، على "الدَّرج" ولا سيّما جيل الشباب الذي تجمعه الموسيقى وحبّ الحياة.

"عمر حوفوش" ذاك الفارس المولود من رحم الثقافة والفنّ والأدب، الذي ترعرع في أسرة عمادها "محمد حرفوش" والد عمر، الأستاذ في مادة الأدب العربي، وأمٌّ اتقنت قواعد اللغة خلال مسيرتها التربوية كمدرّسة، واللذان يشهد لهما طلابهما بالأثر الإيجابي الذي خلّفاه وراءهما والذي ترك بصمة في قلوبهم لا تُنسى. وقد كان لظهور "عمر" على المسرح هيبة المشاهير حيث استطاع بأسلوب اقل ما يمكن ان يقال فيه "السهل الممتنع" أن يأسر عيون الحضور وآذانهم، إذ استسلم الجميع لأدائه المتميّز وكان حسن الإصغاء سيّد الموقف، خصوصاً بعد أن أشهر الفارس سلاح عفويته من خلال تفاعله مع الناس الأمر الذي استحضر مزيجاً من الانفعالات التي تجلّت ما بين رنين الضحكات تارةً وسيل الدمعات تارة اخرى حين استعرض "عمر" شريطاً مصورا عن مدينة طرابلس أعدّه صديقه المصوّر "هادي هاجر" والذي نكز ذاكرة الطرابلسيين الجميلة ووخز ضمائر المعنيين.

لم تكن تلك المرة الأولى التي يقف فيها "حرفوش" على خشبة المسرح، فلإسم الموسيقار اللبناني صدى واسعاً في العالم، ولا سيما في فرنسا، حيث يقيم مع عائلته الصغيرة ويتلقّى الدعم من زوجته التي تعمل في مجال مختلف تماما، فهي عارضة أزياء لشركة Louis Vuilton الشهيرة الا انها آمنت بموهبته وأصرت على ان تكون تلك المرأة التي وقفت وراء رجل عظيم.

"انا اليوم بعتبر حالي اني نجحت نجاح حقيقي، لأني قدرت إعزف بين اهلي بطرابلس، طرابلس اللي بحبا كتير وبحب كل شي فيّا". بتلك العبارات استهلّ الموسيقار الأنيق كلمته، قبل أن يبدأ، ترافقه مجموعة من هواة الفن والموسيقى، بنفض الغبار عن مقطوعات تراثية وألحان من الزمن الجميل بأنامله الدافئة التي تراقصت على نوتات البيانو فعكست لوحة من الجمال أذهلت بسحرها حواس الحاضرين.

من جهة أخرى، لا يختلف اثنان على الجهود العظيمة التي بذلها منظمو الحفل لإنجاح هذه الأمسية ، فمن فريق عمل مجلة "شباب نيوز" المتمثل برئيس التحرير السيد "فراس مولوي"، الى دائرة العلاقات العامة في جامعة "العزم" المتمثلة بالسيدة "نسرين ضناوي"، بدا واضحاً بريق اللمسات الماسيّة على تفاصيل التنظيم والاستقبال والترحيب والتي جعلت من الحفل مشهداً متكاملاً من الرقي والحضارة والانفتاح الأمر الذي أثار اعجاب الحشد الجماهيري والفعاليات الطرابلسية اضافة الى عضو مجلس الشيوخ والدفاع الوطني في فرنسا السيدة "ناتالي مريم غوليت"، التي حضرت خصيصا، في لفتة منها لتشجيع "حرفوش" على الاستمرار والمضيّ قدماً.

مما لا شك فيه أن "عمر حرفوش" شخصية جذابة وقوية في الوقت نفسه ومسيرته الطويلة كفيلة بجزم الحقيقة، "مهضوم" لا يكفّ ابدا عن المزاح وإطلاق النكات لكنه ما أن يجلس الى "قِبلته" الفنية، حتى تراه خاشعاً منسجماً يغوص ما بين اللحن والفكرة ويبدع. وقد كان لافتاً حقا، ان احدا من الحضور لم يغادر المسرح قبل انتهاء الحفل، فالجميع ملتصق بمقعده يخشى تضييع لحظة فنية فريدة قد لا تتكرر في الزمن القريب، وكم من "الله" أطلقها الجمهور طرباً، وسط اجواء من التصفيق الذي جمع ما بين الفخر والفرح، كيف لا و"عمر حرفوش" هو لبناني من طينة خاصة وطرابلسي بامتياز وامبراطورٌ على عرش الموسيقى استطاع ان يستقطب المئات من عشاق الموسيقى وان يتألق من خلال ابداعات موسيقية خالدة، وابتكارات على مستوىً عالٍ من الإتقان.

"شي بيكبّر القلب" هكذا جاء تعليق الحضور على الأمسية، فأمام الإنجازات الهزيلة في طرابلس، تهتزّ عواطف الطرابلسيين عند كل حدث يسلط الضوء على المواهب المغبونة فيها، فتجدهم ساعين للاحتفاء بها وتكريمها كوسيلة للتعويض عن حقوقهم المهدورة، لذلك غالباً ما تراهم يتفاخرون بأي اسم لامع من مواليد المدينة، ليقولوا باعتزاز: "هيدا ابن طرابلس"! إذ ان واقع الإهمال والتهميش المفروض على هذه المنطقة بالتحديد، خلق حالة من اليأس لدى أولئك الذين ما زالوا يقتاتون مما تبقّى من عظمة تاريخ مدينة العلم والعلماء، وفي رفض لتقزيمها يتسابق الطرابلسيون على دعم أبنائها، في محاولة ضئيلة لإشعال شمعة تخترق جدار الظلام المهيمن عليها، فيكون دوماً "تيار العزم" السباق في هذه الخطوة من خلال نشاطاته المتنوعة لإنعاش المدينة.

وتبقى الموسيقى أداة تعبّر بشكل او بآخر عن شحنة من الانفعالات وتساهم بارتقاء الفكر وسكون الروح، وحين تصبح الموسيقى وسيلة اتصال ما بين الفكر والروح فتصدح شغفاً في وجدان الناس وتبثّ الفرح في قلوبهم فيتبارز فيها الخير والشر وينتصر الحق، نكون قد وصلنا الى اقصى مراتب الحسّ المرهف والمتعة في الاستماع. واخيرا دعوني اقول عن الاستاذ "جعفر الجمري"- بتصرّف- : من لم تصبه موسيقى "عمر حرفوش" بعافية الحب، فلن يجد الى العافية سبيلا!!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى