ثقافة و فن

قناة السويس... شريان العالم واستحقاقات المستقبل

تمثِّل قناة السويس- منذ افتتاحها عام 1869- أحد الأعمدة الأساسية في منظومة التجارة العالمية، إذ يمر عبرها نحو 12% من حركة التجارة الدولية. وفقاً لأرقام هيئة القناة، وهي ليست مجرَّد ممر اقتصادي، بل رمز لسيادة وطنية تحققت بإرادة مصرية خالصة حين أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميمها في 1956 متحدياً ثلاثاً من أقوى الإمبراطوريات الاستعمارية، يومها أكَّدت مصر العروبة أن المصالح الكبرى لا تُدار بالوصاية، بل تُحمى بالسيادة.

واليوم، وفي ظل عالم يتغير بوتيرة متسارعة وتحديات متتالية تفرض على القناة أن تواكب تحولات العصر، من خلال تبنِّي البرمجة التفاعلية المسماة بالذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء لمراقبة حركة الملاحة، وتفادي أزمات مشابهة لحادثة "إيفر غيفن"، إلى اعتماد الطاقة الخضراء وتقنيات التوسع الذكي لمجاراة تطور أحجام السفن.

وأرى أن الرؤية المنشودة يجب ألا تقتصر على تعميق وتعريض المجرى الملاحي، بل تتجه نحو بناء ممر اقتصادي متكامل: مناطق لوجستية حديثة، مراكز صيانة متقدمة، مستودعات تعتمد البلوك تشين، وشبكات بيانات فائقة السرعة تربط القناة بالعمقين الأفريقي والآسيوي خفض زمن العبور بنسبة لا تقل عن 15%، مع توفير حوافز لوجستية جاذبة لشركات الشحن الجديدة.

إن قناة السويس هي مشروع حضاري يخدم الإنسانية جمعاء، ويشكّل ركيزة استراتيجية للعالم العربي بأسره، كجسر يربط الشرق بالغرب ويعزز التكامل الاقتصادي بين الشعوب، وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي تقوم به مصر في تطوير الممر الحيوي، خصوصاً في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي جعل من تطوير القناة أولوية وطنية ومشروعاً استراتيجياً ضمن رؤيته لبناء دولة حديثة ذات حضور فاعل على الساحتين الإقليمية والدولية.

فمن خلال مشروع التوسعة في 2015، وما تلاه من خطوات متواصلة لتحديث البنية التحتية وتوسيع قدرات القناة اللوجستية، ترسخ التزام الدولة المصرية بتحويل قناة السويس من مجرد ممر ملاحي إلى مركز عالمي للتجارة والخدمات البحرية، وهذه الجهود المقدرة لا تُقرأ فقط في سياق التنمية الاقتصادية، بل أيضاً كرسالة واضحة بأن مصر تضع مقدراتها في خدمة النظام التجاري العالمي، وتسعى لتعزيز التكامل العربي والدولي عبر هذا الشريان.

إن تطوير القناة مسؤولية تتجاوز الجغرافيا والتاريخ، وهي اليوم أمانة بين أيدينا تفرض علينا التفكير خارج الأطر التقليدية. وربما يكون إنشاء صندوق استثماري دولي مخصص لتحديث القناة أحد أكثر الخيارات جرأة وواقعية، لضمان استمرار هذا الشريان في ضخ الحياة في جسد الاقتصاد العالمي، وحمايته من رياح التغيير والتنافس الجيوسياسي المتسارع.

 

المجلة غير مسؤولة عن الآراء و الاتجاهات الواردة في المقالات المنشورة

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

قد تقرأ أيضا